التعليم.. من ظل شجرة إلى المنصة التعليمية!

الأحد ٠١/نوفمبر/٢٠٢٠ ٠٨:٢٥ ص
التعليم.. من ظل شجرة إلى المنصة التعليمية!

مسقط - الشبيبة 

بقلم : علي المطاعني 

تابعتُ الكثير من ردود الأفعال المتداولة على نطاق واسع حول بدء العام الدراسي الجديد ‏وتأخره إلى هذا الوقت والاستعدادات القائمة وإمكانية حضور الطلاب للمدارس من عدمه وعدم تسخير التلفزيون لبث الدروس وشراء أجهزة الحاسب الآلي وغيرها من النقاط التي أُثيرت في الفترة الماضية، ولم تكن لديّ كغيري الصورة الأخرى التي توضح لنا ما يدور بأروقة وزارة التربية والتعليم، ووسط هذه الضبابية اتصلتُ بمدير عام التربية والتعليم لمحافظة مسقط زميل الدراسة علي الجهوري وطرحتُ عليه كل تلك التساؤلات بهدف إيضاح الصورة التي ربما كانت غائبة عن الكثيرين، وكذلك ليقيني ولثقتي التامة بأنّ الوزارة وكافة العاملين فيها يتعرّضون لضغوط كبيرة جدا في إدارة هذا الجانب في ظل الظروف الصحية الراهنة، وليس كما يعتقد البعض بوجود تقصير إلى غير ذلك من تأويلات لا أساس لها من الصحة.

فالتحضير أمر مهم في الواقع، وكان ذلك محور سؤالي للأخ علي، وبعد أن استمعتُ إليه يمكنني القول بأنّ التعليم سيشهد تحوُّلا نوعيا ليس لمواكبة الظروف الراهنة جرّاء فيروس كورونا فحسب وإنّما تغييرا جذريا بإحلال التعليم المدمج/‏ الإلكتروني (عن بُعد) في السلطنة في كل المراحل التعليمية، وهو تحوُّل يختزل عبره المدرسة من إدارتها ومعلميها وطلبتها وكتبها وتقييمها وأنشطتها اللاصفية في جهاز الهاتف والحاسب الآلي، ويستطيع الجميع أن يتابع العملية التعليمية سواء الطلبة أو أولياء الأمور والإدارة المدرسية والوزارة بكافة مديرياتها، حيث ستكون العملية التعليمية أمام مرأى الجميع من خلال المنصة التعليمية الإلكترونية التي ستحتوي كل المناهج التعليمية وستبث من خلالها كل الدروس لكل المراحل التعليمية باستخدام الحصص المتزامنة وغير المتزامنة وغيرها من مصادر التعلم الأخرى التي وفرتها وزارة التربية والتعليم عبر وسائلها المتعددة بالبوابة التعليمية في نقلة نوعية ستغدو فتحا جديدا للتعليم في السلطنة، الأمر الذي يتطلب أن نتفاعل معه كمواطنين وأولياء أمور بالإيجابية واجبة الاتباع باعتباره تحوُّلا نوعيا كبيرا في التعليم في السلطنة ستظهر نتائجه في السنوات المقبلة.

ففي البداية يجب أن نكون أكثر واقعية في التعاطي مع الظروف الصحية الراهنة وما أفرزته من متغيّرات كثيرة ما زالت تثير جدلا واسعا في المجتمع، من بينها بأنَّ أولياء الأمور لا يرغبون في إرسال أبنائهم إلى المدارس للمحاذير الطبية المعروفة، وما يتم تداوله من دعوات لمقاطعة العام الدراسي إلى غير ذلك، لذا فإنَّ خيار التعليم عن بُعد - أو ما أُطلِق عليه التعليم المدمج والتعليم الإلكتروني أو من المنزل - يُعد خيارا مهما تحضّر له وزارة التربية والتعليم لبدء العام الدراسي الجديد منذ أنْ بدأت الجائحة، لكن عملا ضخما كهذا يختزل دور المدرسة أمرٌ ليس بسيطا وكذلك التحضيرات له للتعامل مع أكثر من 700 ألف طالب وطالبة وضعفا هذا العدد من أولياء أمور (آباء وأمهات) لمتابعة تحصيل أبنائهم، فمن الطبيعي أن يحتاج له تحضيرات كبيرة تستوعب العملية التعليمية برمتها إلى أنْ وصلت ما وصلت إليه اليوم الذي ينطلق فيه العام الدراسي من المنصة التعليمية.

ومن هنا نقدِّر عاليا الجهود التي بُذلت من الوزارة ونقرّ جميعا بأنَّ البدايات لتحوُّل نوعي لنظام تعليمي ليست سهلة في تغيير نظام تعليمي إلى إلكتروني، ومن الطبيعي أن يجد البعض تحديات في التأقلم مع النظام الإلكتروني الجديد، ولكن كما يُقال (رُبَّ ضارة نافعة)، فهذه الجائحة غيّرت الكثير من الجوانب ومن أهمها المسار التعليمي، ودفعت به لحضن التقنيات الحديثة.

فالمنصة التعليمية الإلكترونية متكاملة ومفتوحة على كل عناصر العملية التعليمية من معلمين ومشرفين وطلبة وأولياء أمور وتتيح رصد التفاعل بين هذه العناصر أولا بأول، بل إن ولي الأمر في إمكانه متابعة أداء ابنه أو ابنته بكل سهولة ويُسر دون الحاجة للذهاب بنفسه للمدرسة والاستفسار عن المستوى الدراسي لابنه وسير تعلمه.

أما الحديث عن تأخير العام الدراسي إلى شهر نوفمبر الحالي، فإنّ قرار تغيير المواعيد وعدم الوفاء بتاريخ بدء العام الدراسي في هذه الظروف ليس مِلكا لوزارة التربية والتعليم، بل هي توجيهات تأتي من اللجنة العليا المكلفة بالتعامل مع فيروس كورونا، وفقا للمعطيات الوبائية في العالم والسلطنة، وعلى ضوئها يتقرر الكثير من الأمور ومن بينها العالم الدراسي، كما أنّ العمل على إنشاء منصة تعليمية متكاملة تضم أكثر من 250 كتابا ومقررا تعليميا ومحتوى دراسيا وحصصا نموذجية ووسائط تعليمية وأنشطة دراسية لكل المراحل التعليمية وكل ما يتعلق بالطلبة وما يتطلبه التعليم في السلطنة بالطبع ليس مسألة سهلة وفقا لما يتصوّرها البعض، فهي اختزلت العملية التعليمية في أكثر من 1400 مدرسة في جهاز الهاتف المحمول أو الآيباد أو الحاسب الآلي ويستطيع الطالب من أي مكان يوجد به داخل البلاد أو خارجها الحصول على الدروس وإن كان مريضا لشهور يمكنه العودة إليها في أي وقت واستيعابها، وأيضا إعادة الطالب أي درس يحتاج لإيضاح المزيد حوله في أوقات الامتحانات على سبيل المثال.

هذا التحوُّل التعليمي الكبير وبهذا النحو سوف يقلّص الكثير من الجهود والمشاق التي كانت تكتنف العملية التعلمية، ويصبح التعليم بأسلوب تفاعلي نشط، كما ألغى الكثير من المصاريف والنفقات الجارية وخفّض الكثير من التكاليف عن كاهل العملية التعليمية، والتي سيتم توجيهها لتطوير العملية التعليمية بشكل أكثر جودة وبتقنيات تتواكب مع التطوُّرات التكنولوجية المتسارعة.

وحول مسألة شراء أجهزة الحاسب الآلي لكل الطلبة، فكل شيء يهون من أجل التعليم الجديد الذي سينقل أبناءنا لعوالم أخرى جديدة كليا وستنتقل معه البلاد إلى ذات العوالم، وهذه مرحلة جديرة ببذل التضحيات من أجلها ومن أجل الوطن، بل إن هذا التوجه سيجعل المجتمع كله يعلم أو يتعلم التقنيات الحديثة فالتغيير بالتعليم هو التغيير الحقيقي في المجتمعات والشعوب الذي نتطلع إليه.

ف «الكُرة الآن في ملعب» أولياء الأمور الذين عليهم مسؤوليات كبيرة في متابعة أبنائهم وإنجاح العملية التعليمية بصيغتها الجديدة، إذ عليهم أن يطوّروا أنفسهم إلكترونيا ويلتحقوا بالدورات التدريبية في أوقات فراغهم ليتسنّى لهم متابعة الأبناء في المرحلة الجديدة.

نأمل من الجميع التعاون لإنجاح هدا العام بكل آماله وتطلعاته وإشراقاته وتجاوز التحديات والصعاب أيا كان نوعها، وعلينا أن نتذكر دوما بأن التعليم قد انطلق من تحت ظل شجرة كما أراد له باني نهضة عُمان الحديثة المغفور له بـــــإذن الله جلالــة السلطان قابوس بن سعيد - طيّب الله ثراه - إلى أن وصل إلى الهاتف المحمول في طفرة نوعية هائلة وواسعة في ظل النهضة المتجددة التي يقودها جلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله ورعاه -.