زواج بالإكراه!

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٩/سبتمبر/٢٠٢٠ ١٨:٢٨ م
زواج بالإكراه!

علي بن راشد المطاعني

عندما أطالع معالم هيكلة الحكومة الجديدة، أرى أن العبء كبيرا على وزارة العمل ليس بسبب دمجها مع وزارة الخدمة المدنية والمركز الوطني للتشغيل والصندوق الوطني للتدريب لإدارة الموارد البشرية في البلاد في المرحلة المقبلة بل بسبب أنها تعمل واقعيا وحاليا في ظروف وأوضاع صعبة للغاية، إذ عليها التوفيق بين مصالح متعارضة بين أرباب العمل والباحثين عن عمل، هو وضع يمكننا أن نطلق عليه (الزواج بالإكراه) بين شركات ترفض العمالة الوطنية وباحثين عن عمل يرفضون العمل بالقطاع الخاص، فكيف لها أن توفِّق بينهما ليسيرا معا لشواطئ النجاح والفلاح خاصة في ظروف اقتصادية صعبة للغاية كالتي نشهدها في الوقت الراهن نتيجة لتداعيات أسعار النفط التي تؤثر بشكل كبير على العديد من الجوانب الاقتصادية وتحد من الإنفاق الحكومي والذي يلقي بظلال له قاتمة على الاستثمارات وتفريخ فرص العمل، ناهيك عن تأثيرات فيروس كورونا الاقتصادية وهي معروفة بالطبع.

كل هذه الظروف يمكننا وصفها بأنها الأصعب على الإطلاق منذ انطلاق تباشير النهضة المباركة قبل نصف قرن مضى، ‏فكيف يتسنى لهذه الوزارة أن تعمل؟..
سؤال لا يجب أن يجيب عليه المسؤولون عن الوزارة الذين تشرّفوا بنيل الثقة السامية، لكننا نطرحه على الجميع لسببٍ واحد هو حقيقة أن توفير فرص العمل ليست مسؤولية الحكومة أو المسؤولين فقط، بل هو مسؤولية الجميع بمن فيهم الباحثون عن عمل أنفسهم، فإذا لم نتوافق على المبادئ الموجهة للعمل وماهيتها فإننا سنظل ندور في الحلقة المفرغة التي ندور فيها مند ثلاثة عقود خلت تقريبا.
بلا شك إن وزارة العمل على اختلاف مسمياتها وتشكيلاتها منذ مطلع التسعينيات تعيش حالة من عدم الاستقرار في إدارة سوق العمل في البلاد بسبب التناقضات بين أطراف الإنتاج، وعدم التوافق على الأولويات وتفضيل المصالح الخاصة على العامة، والجدل المحتدم حول الاتجاهات الصحيحة والأخرى الخاطئة، والتجاذبات بين المسؤولين الحكوميين وأرباب العمل حول الآليات التي يجب أن تُتبع في إدارة سوق العمل، فضلا عن التجاوزات الكثيرة في هذا الشأن، والتحايل على الأنظمة والقوانين والإجراءات لدرجة أن الشركات أضحى لها جهاز مناعة فاعل مضاد لأي تنظيم تصدره وزارة العمل مهما كانت قوته، ومهما كان مستوى التفاؤل به رفيعا.
‏فالظروف كما هي والباحثون عن عمل في تزايد، والاقتصاد ما برح يراوح مكانه، وفي ظل الظروف الاستثنائية الراهنة لا يستطيع بطبيعة الحال أن يفرز فرص عمل جديدة تستوعب أعداد الخريجين المتزايدة سنويا، والمجتمع ترتفع أصواته مطالبا بتشغيل الخريجين، وفي إطار ذلك ينبثق السؤال من تلقاء ذاته حول ماهية المقترحات التي تلوح في الأفق والرامية لإيجاد حل لمعضلات تتراكم سنويا في سوق عمل يحتاج لعمليات جراحية دقيقة لإزالة الآلام التي يعاني منها منذ وقت طويل.
هنا نجد أن الوزارة قابعة فعلا بين مطرقة الاقتصاد وسندان المجتمع، وهي في هذا الوضع -الذي لا تُحسد عليه- في حاجة ماسّة لعصا سحرية تتيح لها الخروج من هذا المأزق.
هذه الوزارة إمكانياتها التي نعرفها لا تتناسب مع إدارة ملفات 250 ألف شركة ومؤسسة، وأكثر من مليون ونصف عامل وافد، وأكثر من 250 ألف عامل مواطن، فليست هناك نسبة وتناسب في إدارة كل هذا الكم من المسؤوليات بقدرات بسيطة لا يمكن أن تنظم سوق العمل وما يشهده من ممارسات خاطئة لا تتسع لها هذه العجالة لذكرها.
هي عثرات لم تفلح الندوات على مدى 30 عاما الفائتة والمناقشات والنداءات وغيرها في إيجاد العلاج الناجع لها، ولم تفلح الأطر والتشريعات والإجراءات في إحداث تغيير هيكلي يوضح ويصحح مسار السوق.
بالطبع يجب أن نكون متفائلين بما سيحدث بحول الله في المرحلة المقبلة، ولكن وفي مطلق الأحوال فإن الحقيقة يجب أن تُقال، والشواهد موجودة والحقائق دامغة وماثلة في تكدس الباحثين عن عمل في بيوتهم وفي الطرقات والساحات.
نأمل أن نعيد الحسابات لإدارة قطاع العمل في البلاد بشكل مغاير يقوم على مبدأ الإحلال لكل وافد تنتهي صلاحية بطاقة عمله، فالحق يجب أن يقال وهو أن أبناء الوطن هم الأحق من غيرهم، ذلك هو المبدأ الذي يتعيّن أن تقوم عليه سياساتنا المستقبلية في هذا الحقل الساخن أبدا.