استعادة تاريخنا في الطب والعلوم

مقالات رأي و تحليلات السبت ٠٥/سبتمبر/٢٠٢٠ ٢٠:٣١ م
استعادة تاريخنا في الطب والعلوم

محمد بن محفوظ العارضي

ليس هناك شك في أن منطقة مجلس التعاون الخليجي تعد موطناً لأفراد موهوبين يمتلكون الإرادة والطموح للنجاح. لقد قطعت دولنا شوطاً طويلاً في مسيرة التقدم والتطور خلال العقود القليلة الماضية، بل أن مدننا وضعت معاييراً جديدة حول العالم نتيجة لذلك التطور في غضون فترة قصيرة نسبياً. كما أننا حققنا تطورات ملحوظة في عدد لا يحصى من المجالات، خصوصاً ريادة الأعمال، التي كانت تاريخياً واحدة من أهم نقاط قوتنا ومفاتيح تقدمنا.

إن منطقتنا وبقية دول العالم تنتظر بفارغ الصبر التوصل إلى اكتشاف لقاح آمن وفعّال لجائحة كوفيد-19، وذلك بالنظر إلى التحديات والتغييرات الجذرية في أنماط حياتنا التي نتجت عن الوباء. ويشترك الناس في جميع أنحاء العالم بحرصهم على القدرة على التحرك بحرية مرة أخرى مثلما كان الحال قبل الوباء، دون القلق من انتشار العدوى واحتمال الإصابة.

وفي حين أن الوضع الراهن يمثل تحدياً على مستوى العالم ككل، فإنه من المثير للاهتمام معرفة حجم التطلعات تجاه العالم الغربي لإيجاد الحلول للجائحة الراهنة. وبالطبع فإن الدول الغربية هي مركز الشركات العملاقة في مجال صناعة الأدوية، كما تمتلك مرافقاً بحثية رائدة في الطب والعلوم.

وعلى الرغم من غياب آليات توزيع اللقاح عند الإعلان عن توفره، إلا أنه من المرجح أن تحدد عوامل المناخ السياسي وسعر اللقاح وقنوات التوزيع الدول التي ستصل إليه أولاً.

كما سيحرص الناس في جميع أنحاء العالم على الوصول إلى اللقاح بأسرع وقت ممكن وتجاوز هذه الفترة الصعبة. لكن في ذات الوقت فإن الأسماء الأقوى في مجال صناعة الأدوية والقوى العظمى الرائدة ستسيطر على هذه المسألة.

لذلك قد يمثل المأزق الحالي فرصة مفيدة لاستكشاف إمكانية الاستثمار بشكل أكثر استباقية في العلوم الطبية ومرافق البحث والتطوير في منطقتنا.

لقد قدمت المنطقة العربية مساهمات ملحوظة في مجالات الطب والعلوم أثناء ما نعرفه باسم العصر الذهبي الإسلامي. ويواصل العالم البناء على المعرفة والبصيرة المثيرة للإعجاب لمختلف العلماء والمفكرين العرب والمسلمين والاستفادة منها، مثل ابن الهيثم، الذي وضع أسس البصريات الحديثة، وابن النفيس المعروف بكونه مكتشف الدورة الدموية الصغرى.

إذاً، آن أوان بدء رحلة استعادة مكانتنا في الساحتين العلمية والطبية عالمياً. ويجب علينا إعادة النظر في مناهجنا الدراسية وجعل العلوم أكثر جاذبية للأطفال بهدف خلق بيئة تسمح لنا بالتقدم والابتكار في هذه المجالات وتحقيق النجاح المأمول.

وتعد برامج ما بعد المدرسة والمعارض والمسابقات العلمية طرقاً ممتازة لإشراك شبابنا بنشاط في العلوم منذ نعومة أظافرهم واختيارهم لتعلمها كمجال اهتمام لهم وليس كمادة إلزامية فقط في المدرسة.

وإذا تفاعلنا خلال العقود القادمة مع العلماء الشباب في وقت مبكر من حياتهم، فإننا دون شك سنستطيع تمكينهم من إطلاق العنان لطاقاتهم وإبداعاتهم والمساهمة الفاعلة في تقدمنا العلمي عاجلاً وليس آجلاً.

ويشكل العديد من الرواد في المنطقة العربية دليلاً على وجود المواهب العلمية بكل تأكيد. وإحدى أبرز الأمثلة على ذلك في عصرنا هي الدكتورة حياة سندي من السعودية، وهي المعروفة عالمياً بمساهماتها المؤثرة في الاختبارات الطبية وفي مجال التقنية الحيوية.

لذا يجب علينا تمكين أطفالنا من الاقتداء بالنجوم الساطعة في منطقتنا وتشجيعهم للسير على خطاهم، إذا امتلكوا الموهبة والرغبة في ذلك.

كما أن منطقتنا تحتضن مجموعة من الكليات الطبية والمرافق البحثية المتعددة التخصصات والعالية الجودة. لكن يجب علينا استكشاف كيفية تحسين وتوسيع أطر عملها لتصبح مراكزاً مهمة للابتكار ولتقدم منتجات بمستويات عالمية، بما يشمل العلاجات واللقاحات والتكنولوجيا لمواجهة التحديات الإقليمية والعالمية في مجال الرعاية الصحية.

إن الحكومة والقطاع الخاص في منطقة مجلس التعاون الخليجي يقدمان بالفعل عدداً كبيراً من المنح الدراسية للطلبة الأكفاء. ومع ذلك، سيشكل التركيز المتجدد على العلوم والطب كحل مثمر للتحديات الصحية في عالمنا تشجيعاً جديداً للطلبة لاستكشاف الوظائف في مجال الرعاية الصحية والتخصصات المرتبطة بها.

كما سيفتح تطوير قطاعات الرعاية الصحية والبحث لدينا الباب لمجموعة من الفرص لرواد الأعمال وقد يصبح مساراً فعالاً للمضي قدماً في تنشيط اقتصاداتنا في فترة ما بعد الوباء، إذا خططنا لذلك بعناية وفكرنا خارج حدودنا المعتادة. وبعيداً عن المرافق البحثية والطبية، يمكننا أيضاً دراسة الاستثمار في تطوير التقنيات الطبية وتصنيع المعدات المستخدمة في المختبرات أو في البنية التحتية للمستشفيات والمؤسسات التعليمية والمرافق البحثية.

ويعد الدفع باتجاه الابتكار وتطوير الفرص الجديدة السمة المميزة لكل أمة ناجحة. وقد نتج عن جائحة كوفيد-19 سلسلة من التحديات، وبدورنا علينا إيجاد الحلول من خلال خلق الفرص في بيئتنا سريعة التطور.

وأخيراً، سيمكننا الاستثمار في الطب والمجالات المتصلة به من زيادة تنويع اقتصاداتنا، كما سيقلل من اعتمادنا على الحلول الخارجية للحصول على العلاجات واللقاحات والتكنولوجيا الطبية في المستقبل.