عودة الفرح الزراعي بعد الرثاء

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠١/سبتمبر/٢٠٢٠ ٢٣:١٤ م
عودة الفرح الزراعي بعد الرثاء

بقلم: علي بن راشد المطاعني

كتبت عدة مقالات في رثاء الهيئة العامة لتسويق المنتجات الزراعية عام 2001، ووصفت حينها تلك الخطوة بالكارثة التي حلت بالقطاع الزراعي في السلطنة، وباعتبار أن التسويق الزراعي هو المحرك الأساس لقطاع الإنتاج، إذ كانت الهيئة وقتئذٍ هي الداعم للمزارعين الذين يحملون منتجاتهم الزراعية لمراكز التسويق لبيعها ويعودون سريعا فرحين لمزارعهم لينكبوا في أعمالهم حرثا للأرض وزراعة جديدة لها وإهتماما عاليا بها.
ولكن وما أن تم إلغاء الهيئة وشطبها من الوجود لحقت بالقطاع الزراعي أضرارا كبيرة منظورة وغير منظورة، علما بأن ميزانية الهيئة لا تزيد عن ثلاثة ملايين ريال، عندها تراجع عمل المواطنين في المزراع وسلموها للعمالة الوافدة، وحولت الأراضي الزراعية إلى تجارية وصناعية وسكنية بدواع عدم الصلاحية إلى غير ذلك من مبررات واهية، هي قصة طويلة تحتاج إلى دراسات وأبحاث في كيفية وأبعاد تأثر القطاع الزراعي بالسلطنة بإلغاء الهيئة التي كانت تحتضن المزارعين.

ولكنني عدت وإستبشرت كمواطن قبل شيء بتأسيس شركة تسويق زراعية بعد أكثر من 19 عاما على إلغاء الهيئة لتعزيز التسويق الزراعي في البلاد تحت مظلة جهاز الإستثمار العُماني لإعادة الروح لهذا القطاع الحيوي والهام وليغدو سلة لغذائنا اليومي ولتسد إحتياجاتنا اليومية من الخضروات والفواكه وما يليها من صناعة.

هي قضية كان من المفترض أن تبقى على قمة إهتماماتنا وأولوياتنا، غير أن البعض كان يزعم بأن الإستيراد أقل كلفة إلى غير ذلك من مبررات لاتسمن ولا تغنى من جوع، إذ إتضحت الآن أهمية الزراعة لأمننا الغذائي.
هذه الشركة الوطنية سوف تحرك القطاع الزراعي في البلاد بأكمله مجددا، وستمسي ملاذا لآلاف المزارعين تشد من عضدهم وتشحذ همم الشباب من خريجي كليات الزراعة ليمتهنوا هذه المهنة الأم، وهي المتوارثة أصلا أبا عن جد منذ الأزل، وذلك هو السبيل للنهوض بهذا القطاع الحيوي الهام.

الشركة ستعمل على النهوض بعملية عرض المنتجات الزراعية من خلال روعة التغليف والعرض الذي سيخطف عين المستهلك، والعين المعجبة ستقوده للمنتج مرغما، والأروع أنه سيجدها بالفعل كما قال النظر.
ومن بعد ذلك سيتم تصدير الفائض من خلال الشركة للأسواق الخارجية بشكل لائق، ذلك من شأنه أن يخلق علامة تجارية مميزة للمنتجات الزراعية العُمانية في الخارج والنهوض بأسعارها بشكل أفضل مما هو قائم الآن من جهود فردية أو عشوائية لاتراعي مقومات وأساسيات متطلبات التسويق والتصدير لذلك ستظل أسعارها بخسة لدرجة أن بعضهم يعيد تصديرها بعد تغليفها كيفما إتفق بإعتبارها منتجات لدول أخرى إلى غير ذلك من ممارسات سالبة.

كما أن الشركة سوف تفتح آفاقا واسعة للمهندسين الزراعيين لإكتساب الخبرات ويمكنهم وبالتعاون من وزارة الزراعة والثروة السمكية إنشاء مزارع نموذجية لزراعة نوعيات محسنة من الخضروات والفواكه وإستغلال المزايا النسبية للطقس من بعد توظيف التكنولوجيا الحديثة في الزراعة، وسنشهد تبعا ذلك تطورا نوعيا في المجالات الزراعية وإستيعاب أبناؤنا الخريجين من الجامعات والكليات الزراعية لتطوير الزراعة والإنتقال بها من التقليدية إلى العلمية، وبذلك نعيد هيكلة الزراعة على المدى الطويل.

فالشراكة بين جهاز الإستثمار العُماني ووزارة الزراعة والثروة السمكية لإنشاء مشروع شركة متكاملة لتسويق الخضروات والفواكه يتبع الشركة العُمانية للإستثمار الغذائي القابضة التي يشرف عليها الجهاز، سيكون له القدح المعلا في تسويق الخضروات والفواكه المنتجة وإنتاج الخضروات والفواكه عالية الجودة.

الشركة تستهدف وفقا للبيان الصادر تسويق منتجاتها بنسبة 65% في أسواق التجزئة والجملة المحلية، بينما ستقوم بتصدير 35% من منتجاتها للأسواق الخارجية وهذا مؤشر طيب في إيصال المنتجات العُمانية للأسواق الخارجية ومغلفة بشكل جيد وجميل، وكذلك إنشاء مزارع نموذجية في مختلف المحافظات، وطرح منتجات عالية الجودة تقدم أفضل البدائل للمستهلك الذي يتطلع بالطبع إلى منتجات وطنية عالية طازجة وبتغليف أفضل، فضلا عن إنتاج خضروات وفواكه عضوية والإرتقاء بالممارسات الزراعية وبناء نماذج للزراعة التعاقدية، فهذا النهج في التعامل مع المنتجات الوطنية من شأنه أن يرتقي بها وبجودتها ويجعل الإقبال عليها أكبر مما هو عليه الآن.

بالطبع الشركة ستكون إضافة نوعية للقطاع الزراعي، ولكن لن تكون أشبه بالجمعيات الخيرية للمزارعين ولا ينبغي لها أن تكون كذلك، ولكنها ستعمد بطرق أكثر اقتصادية ونوعية لإنتقاء المنتجات الزراعية ذات الجودة العالية والطازجة لتقديمها للمستهلكين سواء داخليا أو خارجيا وبشكل يليق بمنتجاتنا ويعزز من سمعتها.

نأمل أن تكلل الجهود المبذولة لتسويق المنتجات الزراعية بالتوفيق، وأن تعمل بأسرع وقت ممكن لإعادة الروح للتسويق الزراعي والعمل على النهوض به لمساعدة المزارعين وحفزهم للإقبال عليه.