اللقاحات مقابل الجراثيم

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٤/أبريل/٢٠١٦ ٠٥:٠٠ ص
اللقاحات مقابل الجراثيم

جيم أونيل

إن انتشار فيروس زيكا، مثل الإيبولا قبله، سلط الضوء على الخطر الذي تشكله الأمراض المعدية على صحة بلدان بكاملها - وكذلك أهمية اللقاحات لمكافحة الأوبئة التي تتحرك بسرعة. في الواقع، إن الجهود جارية بالفعل لإيجاد السبل لتحصين الناس ضد كلا الفيروسين.
لكن اللقاحات لها دور مهم أيضا في حمايتنا ضد تهديد فتاك وأكثر قابلية للتنبؤ: عدوى مقاومة العقاقير.
وعلى عكس الانتشار السريع والغير متوقع مثل تفشي وباء زيكا، فاٍن مقاومة مضادات الميكروبات تشبه حادث سيارة بطيئة الحركة والذي بدأ بالفعل. إن مسببات الأمراض المقاومة تؤدي إلى حوالي 700.00 حالة وفاة كل عام. فإذا فشلنا في اتخاذ الاحتياطات اللازمة، سيتم قتل نحو عشرة ملايين شخص سنويا بحلول عام 2050.
إن تطوير مضادات حيوية جديدة، ووضع أساليب لتمديد فترات حياة الأدوية الحالية سيساعد على الحفاظ على ضمان العلاجات الفعالة. لكن اللقاحات توفر فرصة فريدة من نوعها. فهي تساعد على الحد من عدد الإصابات وبفضلها لن تكون هناك حاجة لتناول الدواء. ولأن استخدام (أو الاستخدام المفرط) للمضادات الحيوية هو ما يؤدي إلى مقاومة العقاقير، سيتم تخفيف الضغط على أنابيب العلاجات الفعالة.
مع الأسف، لم يتم بعد التعرف وبشكل واضح على القيمة التي يمكن للتلقيح أن يوفرها في هذا المجال. ونتيجة لذلك، فإننا لا نتحرك بسرعة كافية لتطوير أنواع اللقاحات التي يمكن استخدامها لمنع مقاومة مضادات الميكروبات.
إن تطوير اللقاح يستغرق فترة طويلة، وفي كثير من الأحيان يأخذ أكثر من عشر سنوات. وهو مسعى له مخاطر بالغة، بالإضافة إلى غالبية اللقاحات التي يتعذر عليها الوصول إلى السوق. ونتيجة لذلك، فإن العديد من اللقاحات ليست مجدية تجاريا، حتى لو كانت مفيدة للمجتمع.
وفي الحقيقة، لا يوجد لقاح متاح لأي من التهديدات للمقاومة الثلاثة التي تعتبرها المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية مسألة "مستعجلة": الكلوستريديوم الصعب، مقاوم العقاقير المعوية الكاربابينيم، ومقاوم الأدوية النيسرية البنية. ولا توجد لقاحات كافية ضد هذه الجراثيم الخاضعة للتجارب السريرية.
وهناك أيضا مشاكل تخص تطوير اللقاحات لمكافحة داء السل - والذي لا يزال مقلقا - السل المقاوم للأدوية المتعددة. وقد حذرت منظمة الصحة العالمية من أن أحد أهداف التنمية المستدامة، وهو القضاء على السل بحلول عام 2035، لن يتحقق ما لم يتم تطوير عقاقير جديدة وتشخيص أفضل وتحسين اللقاحات. ومع ذلك فقد ظل اللقاح الجديد مستبعدا لسنوات عديدة، خصوصا أن تمويل بحوث لقاح السل قد تراجع في السنوات الأخيرة.
ولم يتم استعمال حتى اللقاحات المتوفرة بالفعل على نطاق واسع بما فيه الكفاية لكي يكون لها تأثير كبير على استخدام المضادات الحيوية والمقاومة. ففي كل عام، تقوم الالتهابات التي تسببها البكتيريا العقدية الرئوية بقتل أكثر من 000 800 طفل دون سن الخامسة. ويمكن تفادي هذه الوفيات تماما - عن طريق الوخز، المتاح فعلا في أجزاء كثيرة من العالم، وكذلك لقاح المكورات الرئوية. ومن شأن التلقيح الشامل أن ينقذ ملايين الأرواح وأن يحول دون استخدام نحو 11.4 مليون يوم من المضادات الحيوية سنويا بالنسبة للأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات. كما يمكن استخدام لقاح فيروس الروتا لمنع تفشي أمراض الإسهال، وهو السبب الرئيسي لوفيات الأطفال في البلدان النامية والمحرك الرئيسي لاستخدام المضادات الحيوية.
وللقاحات أيضا دور هام في حماية الثروة الحيوانية والسمكية من الأمراض، وتحسين تطبيق المضادات الحيوية في الزراعة - حيث أن الإفراط في استخدامها هو أحد أهم أسباب المقاومة المتنامية.
و يتطلب تعظيم إمكانات اللقاحات لمكافحة مقاومة مضادات الميكروبات تنفيذ اللقاحات الموجودة في البشر والحيوانات على نطاق أوسع. لكن ذلك سيؤول إلى تطوير لقاحات جديدة، والتي على المدى القصير، يمكن أن تبدأ بـ 2 بليون دولار من صندوق الابتكار العالمي وذلك من أجل البحث في مرحلة مبكرة عن اللقاحات والبدائل الصالحة للمضادات الحيوية.
وفي المناطق التي ليس فيها إقبال على البحث والتطوير، يجب إعطاء فرصة للمطورين لتحقيق عائدات من منتجات مفيدة. اعتمادا على خصائص المنتجات المختلفة، ستشمل التدخلات الممكنة التزامات السوق المسبقة ومكافآت دخول السوق.
ويمكن للقاحات أن تؤثر بشكل كبير على مقاومة الأدوية، إذا كانت مدرجة كجزء من سلسلة واسعة من التدخلات لمكافحة هذه المشكلة. لحسن الحظ، فقد بدأ ينمو الوعي بهذا التحدي.
ففي تجمع المنتدى الاقتصادي العالمي السنوي في دافوس الشهر الماضي، التزمت 85 شركة، بما في ذلك مطوري اللقاح وشركات الأدوية الكبيرة ومطوري التشخيص وشركات التكنولوجيا الحيوية باتخاذ المزيد من الإجراءات للحد من مقاومة الأدوية. وفي وقت لاحق من هذا العام، ستقوم جمعية الصحة العالمية، وقمم مجموعة 7 و مجموعة 20، والجمعية العامة للأمم المتحدة بمعالجة هذا الموضوع. إن الزخم الموجود الآن في القطاعين العام والخاص يعطي فرصة من الواجب التمسك بها.

الرئيس السابق لاٍدارة جولدمان ساكس، حاليا الأمين التجاري لوزارة المالية البريطانية وأستاذ شرف في علم الاقتصاد بجامعة مانشستر.