مستقبل النفط امام تطور الطاقات البديلة

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٤/أبريل/٢٠١٦ ٠٥:٠٠ ص
مستقبل النفط امام تطور الطاقات البديلة

مرتضى بن حسن بن علي

رغم أن البئر الاولى للنفط تم اكتشافها قبل قرون عديدة والمرجح أنها كانت في الصين في القرن الرابع غير أن التاريخ الحديث للنفط واستعمالاته يعود الى نحو قرن بعد قيام الثورة الصناعية في بريطانيا، وتحديداً في عام 1859 بعد ان اكتشف عالم امريكي طريقة مبتكرة لتقطير النفط، حيث اصبح ممكنا استخدامه للاغراض التجارية ولاسيما في مجال المواصلات الحديثة التي بدأ ت تغزو العالم تدريجيا . ومنذ ذلك التاريخ ووصولاً الى يومنا الحالي فانه تم اكتشاف احتياطيات كبيرة وضخمة في انحاء مختلفة من العالم وتطوير تكنولوجيا استخراجه واستعمالاته.
منذ ذلك التاريخ ظل النفط هو الملك المتربع على عرش الطاقة الى ان بدأ التقدم العلمي والتقني بمزاحمته تمهيدا لزحزحته عن عرشه. وبلغت مساهمة النفط في تحريك وسائل المواصلات في العالم ولا سيما السيارات نحو 97% من احتياجاتها في عام 1997. غير ان هذه النسبة انخفضت الى 92% في عام 2014 ، على الرغم من ارتفاع كبير في وسا ئل المواصلات ولا سيما في عدد السيارات بشكل مطرد، ومعظم هذه الزيادة تأتي من الدول النامية ، مقا بل الزيا دة القليلة نسبيا التي تحصل في الدول المتقدمة . بعض مصادر الطاقة البديلة بدأ ت تجد طريقها في تحريك السيارات وان كانت بطريقة بطيئة، مثل الوقود الحيوي Bio fueI المستخرج من بعض النباتات، الذي ساهم بنسبة 4 % من الوقود الضروري لتحريك السيارات ولم تتجاوز حصة الكهرباء من 1% .
إنتاج الكهرباء كان اقل اعتمادا على النفط في عام 1997. اذ كانت البدائل الاخرى تساهم بنسب متفاوتة. كانت الطاقة النووية تساهم بنحو 17% في انتاج الكهرباء، بينما كانت الطاقه الهايدروكلية hydroelectric تساهم بنسبة 18%. مساهمة الطاقات البديلة المتجددة مثل الطاقتين، الشمسية والرياح كانت اقل من 1% . ويشهد الان قطاع الكهرباء هبوطا مستمرا في اعتماده على النفط .لصالح الطاقات البديلة بسبب زحف العلم والتكنولوجيا .
في بداية السبعينات كانت الاحتياطيات المؤكدة من النفط تكفي لتزويد العالم من الوقود لمدة 33عاما ، وبسبب الطفرات الهائلة التي حصلت في العلم والتكنولوجيا، اصبحت الاحتياطيات المؤكدة من النفط تكفي لمدة 43 عاما في 1997 حسب معدلات الاستهلاك في تلك السنة ، ثم ارتفعت الاحتياطيات المؤكدة لسد احتياجات العالم من النفط لمدة 100 في عام 2014 ، رغم الزيادة الكبيرة في عدد السكان وزيادة الطلب على الطاقة في العالم .
الغاز الطبيعي وهو ايضا نوع من الوقود العضوي، هو الاخر شهد طفرات في الاكتشافات، احتياطيات العالم المؤكدة من الغاز الطبيعي في عام 1970، كانت تكفي لتغطية احتياجاتة لمدة 44 سنة . وبعد الاكتشافات الجديدة فانها اصبحت تكفي لتلبية احتياجات العالم لمدة 100 سنة كما ان احتياطيات الفحم الحجري كافية لتزويد العالم من احتياجاته لمدة 275 سنة .
و تستعمل عبارة "الاحتياطيات المؤكدة "، من قبل شركات النفط على كميات النفط او الغاز اوالفحم، التي يمكن استخراجها على أسس اقتصادية وتجارية مناسبة. و قد لاتكون الأرقام دقيقة حيث ان بعض الشركات او الاقطار لاتريد الافصاح عنها . ولكن بغض النظر عن ارقام الاحتياطيات المؤكدة فان التقدم العلمي والتكنولوجي الزاحف يمهد الطريق لاكتشاف احتياطيات جديدة واستخراجها وبطرق لم تكن متوفرة في السابق .
الصعود المستمر في اسعار النفط وزيادة الطلب عليه يدفع الشركات الي تكثيف البحوث وتطوير التكنولوجيا للحصول على مصادر جديدة للوقود العضوي مثل النفط. ومنذ السبعينات وخصوصا بعد حرب 1973 ، فإن الخوف من احتمال حصول صدمة جديدة اخرى، دفع اقطارا عديدة الى تكثيف جهودها وزيادة استثماراتها لتطوير التكنولوجيا لاستخراج النفط بطرق مختلفة والتي كانت مكلفة في السابق، مثل النفط الموجود تحت المياه العميقة من البحار والمحيطات والفحم الحجري في الاماكن البعيده من سيبريا. و يعتقد الان حسب تقديرات البنك الدولي ان الاحتياطيات المؤكدة من الطاقة العضوية كافية لتزويد العالم من الوقود لمدة 600 سنة اضافية حسب المعدلات الحاليه للاستهلاك .
إن استخراج النفط الصخري في الولايات المتحدة، وما سوف يليه في البلدان الاخرى ، دليل على مدى قدرة التقنية على استخراج النفط وباسعار مناسبة. منذ عام 1971 بدأ الانتاج الامريكي يتناقص تدريجيا الى ان تحولت الولايات المتحدة من دولة مصدرة للنفط الى دولة مستوردة له وبكميات كبيرة و متزايدة. بلغ الانتاج الامريكي من النفط في عام 1970 نحو 9.64مليون برميل يوميا. وبدأ يتناقص بصورة سريعة الى ان وصل الى 1.74مليون برميل يوميا في عام 2000 . وبعد ذلك تقدمت التقنية لاستخراج النفط الصخري الى ان وصل الانتاج في عام 2008 الى 5 مليون برميل يوميا ثم تصاعد تدريجيا الى ان وصل مرة اخرى الى 9.69 برميل يوميا في عام 2015 اي الى مستويات انتاج اكبر من مستويات الانتاج في عام 1970 .
الولايات المتحدة وكندا مرشحتان لنمو اكبر في انتاج النفط الصخري والرملي . وتجري محاولات مماثلة في الصين ودول عديدة اخرى في العالم لاستخراج النفط الصخري .
يعتقد بعض المراقبين ان تكلفه الانتاج للنفط الصخري هو الان في حدود 50 - 55 دولار للبرميل بينما يرى الاخرون ان التكلفة انخفضت بشكل دراماتيكي الى ان وصلت الى نحو 15 دولار . و اذا كان الرقم الاولي صحيحا فأن ذلك قد يعني حسب بعض المراقبين ان اسعار النفط الحالية قد ترتفع وتصل الى حدود 50 - 60 دولارا في نهاية عام 2016، كما ان هناك مراقبين يتوقعون ان ترتفع اسعار النفط لتصل الى نحو 70 دولارا في نهاية عام 2020 اذا ماتم الاتفاق على تخفيض الانتاج او ارتفع الطلب عليه.
اجمالا فان الوقود العضوي (النفط ، الغاز الطبيعي، الفحم ) لن ينتهي بهذه السرعة. ومع ذلك فان هناك عدة عوامل واسباب تدعو الى التقليل من اهمية سيطرة النفط في معادلة الطاقة العالمية والتخلص التدريجي من الاعتماد عليه .

appleorangeali@gmail.com