القاهرة- خالد البحيري
فتحت الدعوى التي أقامها أحد القضاة المصريين أمام محكمة الأمور المستعجلة، بحظر النشر فيما يتعلق برواتب ومكافآت وبدلات أعضاء الهيئات القضائية، الباب من جديد للحديث عن آلية "حظر النشر" في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية والإلكترونية، خاصة أن مصر حققت مرتبة متقدمة في هذا الأمر خلال العام الفائت بإجمالي 14 قرار حظر نشر في عدد من القضايا التي تخص التنظيمات الإرهابية، وقضايا الرشوة والفساد، والفضائح الجنسية، والمشروعات الوطنية العملاقة.
البداية مع المستشار محمد حسين أيوب القاضي محكمة استئناف القاهرة، والذي تقدم بدعوى للمحكمة يطلب فيها أمرين: الأول: إصدار قرار ملزم للجهات والهيئات والأشخاص بعدم التعليق على أحكام القضاء سواء بالتأييد أو الرفض، والثاني: حظر النشر في كل ما يتعلق بالشؤون المالية للقضاة.
وخلال اتصال هاتفي مع "الشبيبة" أوضح أيوب: أنه ينتمي لمؤسسة القضاء المصري العريقة، ويأمل إبعادها عن كل ما من شأنه أن يؤثر عليها أو يثير الكراهية ضد أعضائها، حتى لا يفقد المواطنون الثقة في حصنهم وملاذهم الآمن الذي يلجأون إليه لفض منازعاتهم ورد حقوقهم.
وأضاف: إنه كقاضي يتضرر من وسائل الإعلام التي تتناول أحكاما قضائية دون وعي أو فهم لآليات إصدار الأحكام، أو ظروف وملابسات القضية، كما يتضرر من الأنباء التي تنشرها الصحف عن مكافآت القضاة، وهي بالنسبة للقضاة شيء بسيط مقارنة بما يبذلونه من جهد وما يناط بهم من مسؤولية كبيرة، لكنها في نظر العامة قد تبدو مبالغ فيها أو كبيرة.
وكانت مواقع التواصل الاجتماعي وبعض القنوات الفضائية والصحف والمواقع الإخبارية قد تناولت قبل أيام خبر صرف مبلغ 5 آلاف جنيه (600 دولار تقريبا) لكل عضو بالهيئات القضائية كمنحة بمناسبة المولد النبوي الشريف، وهو ما أثار استياء البعض من هذا القرار خاصة مع توجه الحكومة منذ بداية العام الفائت إلى تقليص الإنفاق، واعتبر البعض أن مثل هذه المكافأة وغيرها بمثابة استرضاء من الحكومة للقضاة، في حين يرى البعض أن القضاة لابد لهم من الكفاية المالية، التي تعينهم على الحياة، وتساعدهم في عدم الخضوع لأية ضغوط أو مساومات قد تعترضهم خلال نظر القضايا.
عام الحظر
وقد شهد العام 2015 نحو 14 قضية تم حظر النشر فيها إما من جهة التحقيق ممثلة في النيابة العامة، أو القضاة الذين ينظرون القضية ويباشرون جلساتها، ولم يمر شهر إلا وصدر قرار بحظر النشر في قضية أو أكثر، وكان شهر فبراير الماضي له نصيب الأسد بحظر النشر في ثلاث قضايا هي: قضية مقتل الناشطة السياسية شيماء الصباغ والمتهم فيها أحد ضباط الشرطة، وقضية أنصار بيت المقدس وهو تنظيم إرهابي ينشط في سيناء، وينفذ عمليات إجرامية ضد الجيش والشرطة المصرية، وينتمي فكريا لتيار المتطرف، أما الواقعة الثالثة فهي مقتل المحامي كريم حمدي على يد الشرطة في قسم شرطة المطرية.
وكانت البداية في شهر يناير 2015 مع حظر النشر في قضية اختطاف ضابط الشرطة أيمن الدسوقي وذلك قبل أن يعلن تنظيم أنصار بيت المقدس اغتيال الضابط وينشر فيديو يوثق عملية الإعدام.
وفي مارس حظر محكمة جنايات القاهرة النشر في قضية التخابر المتهم فيها الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي وعدد من تنظيم جماعة الإخوان المسلمين لن القضية تتعلق بـ"الأمن القومي المصري" وبها أحراز تحوي معلومات عسكرية وأسرار استخباراتية.
وفي أبريل من العام الفائت أصدر النائب العام المصري السابق المستشار هشام بركات قرارين بحظر النشر في قضيتين الأولى تتعلق بالمتهمين بقتل 6 من ضباط وأفراد الشرطة، والثانية تتعلق بتنظيم أجناد مصر الإرهابي الذي تبنى الكثير من العمليات التدميرية والتخريبية في سيناء وعدد من المحافظات المصرية.
قضية الآثار
ولأن قضية "الآثار الكبرى" كانت من العيار الثقيل ومتهم فيها أحد أعضاء النيابة العامة وأحد القضاة وسبعة من ضباط الشرطة وتتعلق بكنوز مصر التي لا تقدر بثمن صدر قرار بحظر النشر في القضية في مايو لحين الانتهاء من التحقيق، عدا البيانات الرسمية الصادرة من مكتب النائب ذاته.
وفي الوقت الذي انشغل الرأي العام المصري في يونيو 2015 بما يعرف إعلاميا بالقضية 250 أمن دولة والمتعلقة بتحقيقات موسعة تجريها السلطات المصرية بشأن تلقي ناشطين سياسيين ورؤساء أحزاب وحقوقيين تمويلا أجنبيا، وكان له تأثير واضح على الحياة في مصر خاصة بعد ثورة 25 يناير والأحداث التي تلتها.
ولأن التسريبات حول الأسماء المرشحة للتحقيق، قد تزايدت وبدأ الكثير من الإعلاميين يفتشون خلف القضية صدر القرار بحظر النشر لحين انتهاء التحقيقات حفاظا على السرية ومنعا لهروب بعض المتهمين خارج البلاد.
وكان هذا هو آخر قرار حظر نشر يتخذه المستشار الراحل هشام بركات، فقد تم اغتياله بعدها، وفي شهر يوليو صدر حظر نشر في قضية اغتيال النائب العام لحين انتهاء التحقيقات، والإمساك بكافة خيوط القضية.
وفي ذات الشهر طفت للسطح قضية اتهم فيها أحد القضاة بطلب رشوة جنسية من أحد الوافدات مقابل تسهيل إقامتها في مصر، وهو ما دفع إلى سرعة حظر النشر حتى لا يؤثر الموضوع على سمعة القضاة، أو يتم استغلال تفاصيله لحساب جماعات تريد النيل من سمعة القضاء المصري.
ولأن قضية فساد وزارة الزراعة كانت من العيار الثقيل وتضم وزير كان في الخدمة وتمت إقالته، وأطرافا أخرى فاعلة في الجهاز الحكومي وبعض رجال الأعمال فقد صدر قرار بحظر النشر في القضية التي وقت أحداثها في شهر أغسطس، وانطلقت شرارتها الأولى بإلقاء القبض على الوزير المقال بميدان التحرير بعد دقائق من مغادرته مقر مجلس الوزراء المصري.
*-*
محكمة مصرية تنظر عزل رئيس أكبر جهاز محاسبي
تنظر محكمة الإسكندرية للأمور المستعجلة في مصر، اليوم الثلاثاء، الدعوى المقامة من أحد المحامين ضد هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، والتي طالب فيها بإعفائه من منصبه لإدلائه بتصريحات تهدد الأمن القومي والاقتصادي المصري، حيث قال إن حجم الفساد المالي في مصر خلال عام 2015 بلغ 600 بليون جنيه (75 بليون دولار أمريكي).
وقالت الدعوى إن هشام جنينة لم يتقدم بدليل أو مخالفة مالية واحدة تؤكد صدق تصريحاته، وهو ما أدى إلى إثارة حالة من الهلع الشديد وإجحام رؤوس الأموال الأجنبية عن الدخول للسوق المصري وهروبها من الداخل باعتبار أن حجم الفساد وصل لهذا الرقم المفزع.
وطالب مقيم الدعوى بإصدار قرار بإعفاء جنينة من منصبه مستندا إلى القانون رقم 89 لسنة 2015 الخاص برؤساء وأعضاء الأجهزة الرقابية في مصر، والذي يجيز للرئيس إعفاء أي رئيس في تلك الأجهزة حال إخلاله بواجبات وظيفته وأصبح مضراً بالمصالح العليا للبلاد.
وأكدت الدعوى أن هشام جنينة ارتكب جريمة إذاعة أخبار كاذبة تهدف إلى الإضرار بالأمن والاقتصاد المصري، مشيرة إلى أن جنينة بتلك التصريحات أصبح أداة منفذة لتعليمات التنظيم الدولي للإخوان، للإضرار بالاقتصاد القومي، وموضحة أن قيمة المصروفات في الموازنة العامة للدولة للعام 2015 بلغت 864 بليونا و564 مليونا، وليس من المنطقي أن يبلغ حجم الفساد أكثر من 70% من قيمة مصروفات الدولة.
وقالت إن التنظيم الدولي للإخوان قد تلقف تلك التصريحات الصادرة من جنينة، وعمل من خلالها على تشويه المؤسسات الاقتصادية المصرية وتحذير رؤوس الأموال الأجنبية من الاستثمار في مصر لوجود حجم من الفساد المالي بالرقم الذي أعلنه جنينة.