مسقط-ش
ارتفعت الاحتياجات التمويلية الحكومية في منطقة الخليج بشكل ملحوظ في العام 2020، حيث أدى انخفاض أسعار النفط والتداعيات الاقتصادية الناجمة عن جائحة كوفيد-19 إلى اتساع ملحوظ في عجز الأرصدة المالية للحكومات يحسب وكالة "ستاندرد آند بورز للخدمات المالية المحدودة التي توقعت ارتفاعاً قياسياً في إجمالي الدين الحكومي في منطقة الخليج بنحو 100 بليون دولار أمريكي في العام 2020 لوحده، مع انخفاض في حجم الأصول الحكومية بمقدار 80 بليون دولار أمريكي لتمويل عجز كلي للحكومات الخليجية بنحو 180 بليون دولار أمريكي. واضاف التقرير "حسب توقعاتنا الاقتصادية فإن الميزانيات العمومية للحكومات الخليجية ستواصل تراجعها حتى العام 2023.
أظهرت معظم الحكومات الخليجية استعداداً للجوء إلى أسواق رأس المال الدولية هذا العام، وهم في وضع قوي لامتلاكهم أصولاً خارجية سائلة كبيرة لتمويل العجز المالي لديهم في حال كان هناك صعوبات في الوصول إلى أسواق رأس المال الدولية.
فيما يلي تجيب وكالة "إس آند بي جلوبال للتصنيفات الائتمانية" على الأسئلة الأكثر تكراراً الواردة من المستثمرين حول تمويل العجز المالي للحكومات الخليجية في السنوات المقبلة.
- كيف ترى وكالة "إس آند بي جلوبال للتصنيفات الائتمانية" تطورات العجز المالي للحكومات السيادية الخليجية؟
-نتوقع بأن يصل العجز التراكمي للميزانيات المركزية للحكومات الخليجية إلى نحو 490 بليون دولار أمريكي في الفترة الممتدة ما بين 2020-2030 . تستحوذ المملكة العربية السعودية، أكبر اقتصاد في المنطقة، على نحو 55% منها، تليها الكويت بنحو 17%، ثم أبوظبي بنحو 11%. نركز في هذا التقرير على ميزانيات الحكومات المركزية، كونها عادةً تمثل الجزء الأكبر من متطلبات التمويل لدى الحكومات. نستثني في تقريرنا تقديراتنا لإعادة تمويل الديون الحكومية، كما نستثني أيضاً تقديراتنا للدخل المرتبط بصناديق الثروة السيادية لأن إدراجها قد يعطي صورة غير دقيقة عن الاحتياجات التمويلية الحكومية.
نعتقد بأن العجز المالي سيبدأ بالانخفاض اعتباراً من العام 2021 نظراً لتوقعاتنا بتحسن أسعار النفط وبأنه سيتم خفض الإنتاج بما يتماشى مع اتفاق أوبك+ الذي تم التوصل إليه في أبريل 2020. نتوقع بأن يبلغ متوسط سعر خام برنت 30 دولار أمريكي للبرميل للفترة المتبقية من العام 2020، و50 دولار أمريكي للبرميل في العام 2021، و55 دولار أمريكي للبرميل في العام 2023، مقارنة بـ 64 دولار أمريكي للبرميل في العام 2019 . مع ذلك، ونظراً إلى أن العجز ما يزال كبيراً جداً في بعض الحالات، فإن الميزانيات العمومية الحكومية الخليجية ستواصل تراجعها حتى العام 2023.
تستحوذ المملكة العربية السعودية على الحصة الأكبر من العجز المالي الخليجي من حيث القيمة الاسمية. ولكن كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي فإن الكويت لديها أعلى نسبة عجز إلى الناتج المحلي الإجمالي للحكومة المركزية للعام 2020 بنسبة 39%، تليها عُمان بنسبة 17%، ثم السعودية بنسبة 15%، وأبوظبي بنسبة 13%، والبحرين بنسبة 12%، وقطر بنسبة 10%.
-هل تصدر الحكومات الخليجية الكثير من الديون؟
منذ الانخفاض الحاد في أسعار النفط، سجلت العديد من الحكومات الخليجية عجزاً كبيراً . دفعت هذه الزيادة في الاحتياجات التمويلية إلى إصدار ديون حكومية خليجية بالعملتين المحلية والأجنبية بلغت بالمجمل أكثر من 90 بليون دولار أمريكي في العامين 2016 و2017، ونتوقع بأن تحقق إصدارات الدين رقماً قياسياً هذا العام لتبلغ نحو 100 بليون دولار أمريكي. بعد ذلك نتوقع بأن يتراجع الحجم السنوي لإصدارات الدين إلى 70 بليون دولار أمريكي بحلول العام 2023، بدعم من توقعاتنا بتراجع العجز المالي للمملكة العربية السعودية مع مرور الوقت.
قامت معظم الحكومات الخليجية بالاقتراض بدلاً من تسييل أصولها لتمويل عجزها. تشمل توقعاتنا تنويعاً بين السحب من الأصول وإصدار الدين نتوقع بأن يغطي إصدار الدين نحو 60% من الاحتياجات التمويلية البالغة 490 مليار دولار أمريكي في الفترة الممتدة ما بين 2020-2023. استندنا في هذه التوقعات على توجهات التمويل في السنوات القليلة الفائتة والتصريحات الصادرة من الحكومات، ووجهة نظرنا بشأن توافر الأصول. نتوقع بأن تقوم البحرين وعُمان وقطر والمملكة العربية السعودية بتمويل الجزء الأكبر من عجزها عن طريق الديون، في حين أن أبوظبي والكويت ستقوم بسحب المزيد من أصولها.
-هل لجأت الحكومات الخليجية لأسواق السندات الدولية في العام 2020؟
شهدت الأسواق الناشئة في الربع الأول من العام 2020 هروباً كبيراً لرأس المال نتيجةً لانتشار جائحة كوفيد-19، وبالتالي كان نشاط أسواق رأس المال الدولية محدوداً. ولكن في الربع الثاني من العام ساهمت الحكومات السيادية الخليجية بشكل كبير في عودة الإصدار السيادي للأسواق الناشئة، بسندات دولية وصلت إلى نحو 35 بليون دولار أمريكي .
وفي ظل عدم وجود أسواق رأس مال محلية عميقة، لجأت الحكومات الخليجية إلى الإصدار في الأسواق الأجنبية للإبقاء على التمويل المحلي من البنوك والتسهيلات الأخرى متاحاً للقطاع الخاص بأسعار معقولة.
قامت أبوظبي وقطر والمملكة العربية السعودية، المصنفتان بدرجة تصنيف استثمارية، بإصدار الحصة الأكبر من الديون حتى الآن هذا العام. استفادت الحكومات السيادية الخليجية، إلى جانب الأسواق الناشئة الأخرى، من السيولة التي قام البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي بضخها، مما أدى إلى انخفاض نسبي في تكلفة التمويل. كما اغتنمت الحكومات السيادية الخليجية الفرصة وأصدرت سندات دين بآجال استحقاق طويلة، حيث قامت كل من أبوظبي وقطر والمملكة العربية السعودية ومؤخراً الشارقة بإصدار سندات بآجال استحقاق امتدت لثلاثين عاماً أو أكثر.
ليست فقط الحكومات السيادية الخليجية، الحاصلة على درجة تصنيف استثمارية، من قام بإصدار سندات دولية، فقد قامت البحرين أيضاً بإصدار سند دولي بأجل استحقاق 10 سنوات، ولكن بسعر فائدة أكبر بكثير من الإصدارات التي قامت بها الحكومات المصنفة بدرجة استثمارية. كما قامت حكومات سيادية إقليمية أخرى مصنفة بدرجة B باللجوء إلى أسواق رأس المال الدولية .
-هل تمتلك جميع الحكومات الخليجية أصولاً سائلة كبيرة يمكنهم استخدمها لتمويل عجزهم المالي؟
- بفضل ثروة النفط والغاز التي يمتلكونها، جمعت بعض الحكومات الخليجية أصولاً مالية كبيرة، والتي من الممكن استخدامها لتمويل عجزهم المالي. يتجاوز حجم الأصول الحكومية السائلة للكويت وأبوظبي وقطر والمملكة العربية السعودية حجم ديونهم الحكومية، في بعض الحالات بهامش كبير.
بصرف النظر عن الطريقة التي استخدمت، فإن تمويل عجز كبير لعدة سنوات سيؤدي إلى تراجع الميزانيات العمومية للحكومات الخليجية حتى العام 2023.
-لماذا تقوم الحكومات الخليجية التي تمتلك أصولاً سائلة كبيرة بإصدار ديون في الأساس؟
- يعكس مزيج التمويل لأي حكومة على الأرجح مواردها المتاحة ورغبتها بالدين. وبصرف النظر عن امتلاك بعض الدول الخليجية لأصول سائلة كبيرة، فهي تقوم بالإصدار بشكل منتظم في الأسواق. هذا لأنهم يرون بأن العائد على أصولهم سيكون أكبر من تكلفة إصدار الديون. وبالتالي فهم يفضلون عدم تسييل أصولهم، لاسيما في أوقات انخفاض أسواق الأسهم ومساهمة السياسة النقدية المتكيفة حول العالم بخفض تكلفة التمويل.
في بعض الحالات قد تتردد بعض الحكومات في تسييل فئات الأصول التي خصصوها للأجيال المقبلة . نتوقع بأن تقوم الحكومات في الظروف الحرجة بتعديل القوانين أو الممارسات التاريخية وتسييل الأصول خلال الظروف المالية الصعبة.