عمّان-العمانية
يرى التشكيلي والكاتب الأردني محمد العامري أن الإبداع الإنساني اتخذ عبر التاريخ موقفاً مناهضاً للحروب وأعمال الإرهاب بأشكالها وأنواعها وتجلياتها المختلفة، موضحاً أن الفن ظلّ مصدراً مهماً للمقاومة، وشاهداً على المآسي التي خلفتها الحروب، فأصبحت الأعمال الفنية وثائق بصرية دائمة تتحرك في وجدان الأجيال، عبر الحوار والمشاهدة والكتابة عنها.
واستشهد العامري في محاضرته "تمظهرات العنف والإرهاب في الفنون التشكيلية" التي ألقاها في رابطة الكتاب الأردنيين وأدارها د.أحمد ماضي، بلوحة "الإعدام رمياً بالرصاص" التي كشف فيها الفنان فرانشيشكو دي غويا عمّا ارتكبه نابليون بونابرت من جرائم عند احتلاله إسبانيا، حتى إن هذه اللوحة شكلت مادة فاعلة لإدانة بونابرت على مدى التاريخ.
وأشار العامري إلى أن الفنان غويا الذي رفض الاحتلال الفرنسي لوطنه وناصرَ المقاومين والثوار، سجّل إحساسه العالي في تلك اللوحة التي قوبلت بتعاطف جماهيري وتفاعل منقطع النظير، موضحاً أن أحد أسباب هذا التعاطف، إضافة إلى فكرة نبذ الاحتلال، هو قوة غويا في التعبير عن الحالة المأساوية التي تعرض لها المقاومون، فقد ركز على مصدر الإضاءة من الأسفل ليبين الخوف المرعب في لحظة الإعدام، إضافة إلى حركة الأيدي للشباب الذين تم إعدامهم.
وقدم العامري نموذجاً آخر من الفن المقاوم للحرب والإرهاب، يمثله الفنان الإسباني بابلو بيكاسو، وبخاصة في لوحته "غيرنيكا" المستوحاة من قصف مدينة غيرنيكا من قِبل الطائرات الألمانية والإيطالية في عام 1937، والتي عُرضت للمرة الأولى في الجناح الإسباني في المعرض الدولي للتقنيات والفنون في الحياة المعاصرة الذي أقيم في باريس في السنة نفسها، وأصبحت معْلماً مهماً للتذكير بمآسي الحروب وتجلياتها السوداوية على الإنسان، إذ استطاع بيكاسو أن يقدم وجهة نظره في هذه اللوحة التي اختار لها ألوان الأسود والأبيض والأزرق الداكن.
وقدم العامري أيضاً قراءة في أعمال الروسي فاسيلي، وبخاصة لوحته "أنا طائر في السماء"، والتي تصوّر تلة كبيرة من الجماجم البشرية المرعبة كنتاج للحروب، وتعتلي الجماجمَ مجموعةٌ من الجوارح والغربان السوداء. وبيّن أن هذه اللوحة مثّلت صرخة مدوّية ضد الحرب وضد قتل الإنسان، هو ما دفع روسيا القيصرية إلى حظر جميع رسومات فاسيلي ومنعها من النشر حتى بعد أن أصبح مشهوراً، وهو ما يؤشر على موقف السلطة السياسية من الموقف الناقد لسلوكياتها، وممارستها الإرهاب الفكري والإنساني ضد الفن الإنساني.
وقال العامري إن الكثير من الفنانين نبذوا الحرب بوصفها آلة للدمار والتخريب، ووقفوا ضد الإرهاب الذي يستهدف شعوبهم، ومنهم الفنان الفلسطيني إسماعيل شموط الذي أنجز أعمالاً نوعية مثل لوحته "إلى أين؟" التي تبين رحلة الفلسطيني في مجهول الشتات وتركه أرضه قسراً جراء إرهاب الاحتلال، وكذلك اللوحات التي ركزت على التهجير، والمقاومة، والشهداء، وصولاً إلى إظهار الفلكلور الفلسطيني في الألبسة كجزء من المقاومة.
ومن هؤلاء الفنانين أيضاً الفلسطيني سليمان منصور في لوحته "جمل المحامل" التي أخذت مجالاً كبيراً في الانتشار في ضمائر الناس كونها تعبّر عن تمسك الفلسطيني بأرضه ووطنه حتى أثناء وجوده في الشتات.
وبحسب العامري، اشتغل السوري يوسف عبدلكي على ثيمة نقد إرهاب السلطة السياسية من خلال مجموعة من الأعمال التي تحمل في تفاصيلها تراجيديا جارحة ومؤثرة في طريقة تعبيرها عن مواضيع التعذيب والسجن، حيث يظهر السلام المقتول عبر رمز الحمامة الذبيحة، وكذلك الشخص المقتول المضرج بدمائه، وقد اختار عبدلكي في أغلب أعماله اللونين الأسود والأبيض لتعميق حالة التراجيديا السوداء، وركّز على عناصر تكاد تكون محدودة منها القضبان والسكين والكرسي والإنسان المقاوم أو المضطهَد.
أما الفنان الكويتي سامي محمد، فأوضح العامري أنه أظهر صورة الإنسان المقاوم للظلم والاضطهاد، مضيفاً أن معظم أشخاصه يتحركون ضمن حالة التخلص من القيود أو الخروج من الجدران الصلدة نحو الحرية. وأن منحوتاته يتمظهر فيها الإنسان في وضع مأساوي محاولاً عبر صراعٍ صعب التخلص من حالة المأساة التي يمكث فيها الإنسان العربي.