مسقط - الشبيبة
بقلم: علي المطاعني
كما يقول المثل «آخر العلاج الكيّ»، وآخر العلاج لتفشي فيروس كورونا هو «الإغلاق» للأنشطة والأماكن العامة وتقييد الحركة إلى غير ذلك، لكن السؤال مَن الفاعل ومَن المتأثر؟ بالطبع هو الدولة والمواطن على السواء، والأنشطة الاقتصادية ومُمارسوها أكثر المتضررين من عدم الالتزام بالإجراءات الوقائيّة واجبة الاتّباع، إلّا أنّ كل ذلك جاء مع أول سمات فتح وتخفيف القيود، لنأتي إلى المربع الأول أو كما يُقال «عادت حليمة إلى عادتها القديمة»، مخالفين بذلك كل الأطر والتشريعات وغير مُبالين بجهود التوعية التي بحّت أصواتها ووصلت إلى الرمق الأخير، لدرجة خفّفت منها بعدما وصلت إلى قناعة بأنّ كل شخص في هذا الوطن يعرف خطورة فيروس كورونا ويعي كيفية تجنّبه والإصابة به وله الخيار في إيذاء نفسه وأهله وغيره، وأنّ التوعية وصلت إلى مرادها، إلا أنّ كل ذلك على ما يبدو نرميه خلفنا، وكأنه لم يكن للأسف، وليعود الإغلاق وحظر الأنشطة والتجوُّل وغيره على أمل أن نصحى من النوم - كما يُقال - في يوم ما لنعي ما نمارسه من أخطاء أو مَن يكتوي بها نحن وبلادنا، فكأننا نعاقب أنفسنا بأنفسنا.
بلا شك الكل تفاجأ بالإجراءات الجديدة التي اتّخذتها اللجنة العليا المكلّفة ببحث آلية التعامل مع التطوُّرات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19)، والتي تمثلت بحظر الحركة من الثامنة ليلا إلى الخامسة صباحا، وحظر التجوال في الشواطئ وإغلاق بعض الأنشطة وغيرها من إجراءات، وتداول الكل بيان اللجنة وعلامات استفهام وتعجب ترنو من الجميع والتساؤلات تعج بها وسائل التواصل الاجتماعي، وبعضهم يلقي اللوم إلى غيره وآخرون إلى عدم نجاحنا في تراجع الوباء وتفشيه مع مرور الأيام، لتأتي الإجراءات تُعيدنا إلى ما كنّا فيه، وما قد نتكبّده من خسائر لا يمكن حصرها أو تجاوزها إلا بعد مرور سنوات، ويخرج من الأسواق الصغير والضعيف ويبقى الذي لديه نفس طويل وقادر على أنْ يقاوم مثل هذه الظروف بحكم وضعه المادي والاقتصادي، والضحية الأكبر أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
ضريبة الحظر والمنع كبيرة طبعا ولا يمكن أن نتغافل قيمتها الاقتصادية وتأثيراتها الاجتماعية والإنسانية على الجميع، لكن ما السبب الذي حدا بالجهات إلى العودة لهذه الإجراءات؟ أليس نحن مَن نهدم بيوتنا بأيدينا، وندفع الأمور إلى هذا المنحى الخطير على كل جوانب حياتنا.
إنّ وعي المجتمعات قيمة عالية لا تُقدَّر بثمن والالتزام بالإجراءات ثقافة تترسّخ لدى الفرد والمجتمع بناءً على معطيات كثيرة رسّختها الحكومة على مدى 50 عامًا الماضية وأخذتها كرهان تُراهن عليه في بناء المجتمع أكثر من رفع عصا العقوبات والإجراءات مع مواطنين هم هدف التنمية ووسيلتها، لكن على ما يبدو لم تحقق الأمنيات والطموحات التي كانت تتطلع لها في بناء الإنسان الواعي بمسؤولياته تجاه بناء وطنه والناصح لنفسه في الملمات والجائحات والضامن لبلاده في التأثيرات الطارئة، فهذه أو تلك النتائج توضح ذلك بأنّ نسب الالتزام ما زالت دون المستوى المطلوب، أوصلتنا إلى هذه المستويات التي تُعيدنا إلى الإغلاق والحجر وغيرها من الوسائل التي تقيّد الحركة.
بالطبع نعرف بأنّ هذه الإشكالية ليست محلية فقط وإنما عالمية، لكن يجب ألا نقارن أنفسنا بالأسوأ وننظر للآخرين وعدم التزامهم ووقوعهم تحت وطأة الوباء ونقنع أنفسنا بأنّ الإشكالية عالمية، وإنّما علينا بأنْ نكون نموذجا يُحتذى به في الوعي والالتزام يُصدَّر للعالم.
نأمل أنْ يكون هذا الإغلاق آخرها وأنْ نعي دورنا في هذا الشأن ونعمل بالتوازي مع الدولة في هذه الظروف التي لا تقل عن ظروف حروب الطوارئ التي تتضافر فيها كل الجهود الحكومية والأهلية لسلامة الوطن والمواطن.