نحن.. وهم

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٤/أبريل/٢٠١٦ ٠٠:٤٥ ص
نحن.. وهم

لميس ضيف
lameesdhaif@gmail.com

أفضل دول العالم أداءً لا تستغني عن المتطوعين. في إنجلترا وحدها هناك 22 مليون متطوع تقدر القيمة الاقتصادية لتطوعهم بـ 40 بليون جنيه إسترليني سنويا. في أمريكا ارتفع متوسط ساعات العمل التطوعي إلى 5 ساعات أسبوعيا للفرد الواحد.. ولا يقتصر التطوع كما تقترح المُخيلة على المتقاعدين والعاطلين، لا، فطلبة الجامعة والتكنوقراط من أصحاب المهن هم أوسع شرائح المتطوعين.. وهناك منظمات قوامها المحامون والأطباء وظيفتها الأساس تقديم الخدمات المجانية لمن لا يستطيعون تحمل كلفتها.

نحن نتحدث هنا عن نسبة لا يستهان بها من السكان تخصص ساعات من يومها «للعمل» بلا مقابل بهدف الإسهام في نهضة المجتمع ورفاهيته.. والطريف هنا – وشر البلية ما يضحك كما تعلمون – أننا في العالم العربي نعجز عن إقناع الموظفين بأداء عملهم على أكمل وجه «رغم أنهم يتقاضون عليه أجرا» فما بالكم بدفعهم لعمل غير مدفوع خارج ساعات الدوام الرسمي!

فكيف تمكنت تلك المجتمعات من جعل العمل التطوعي عادة لدى أفرادها؟

في 2011 حاولت دراسة لمكتب الأمم المتحدة الإنمائي الإجابة عن هذا السؤال عبر دراسة أكدت أن ستة من أصل كل عشرة متطوعين قالوا إن التطوع قدم لهم فرصة لتعلم مهارات جديد، ومقابلة أناس جدد لهم ذات الاهتمامات.. كما أن هذا التطوع منحهم شعورا بالكرامة والقيمة، فضلا عن أنه يقضي على الاكتئاب والانحراف ويعطي للحياة معنى.
فوائد العمل التطوعي إذن متبادلة.. والفائدة الأعم هي تلك التي تحصدها البشرية جمعاء. المبادرة العالمية للقضاء على شلل الأطفال على سبيل المثال نجحت في تجنيد 20 مليون متطوع من حول العالم أغلبهم من أفريقيا والدول المتضررة نفسها. وأثمرت جهودهم عن تحصين أكثر من 2.5 بليون طفل في العالم. وهو منجز إنساني تفخر به البشرية بأسرها..
في دولنا العربية هناك 350 مليون مواطن عربي جلهم يعتنق دين الإسلام.. ذات الدين الذي يقول رسوله الكريم صلى الله عليه وآله «أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل، سرور يدخله على مسلم، أو يكشف عنه كربة أو يقضي عنه دينًا، أو يطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخ لي في حاجة أحب إليّ من أن أعتكف في هذا المسجد (أي مسجد المدينة) شهرًا».
ورغم هذا الدفع الديني للناس إلا أن عدد المتطوعين يكاد لا يُذكر.. وكثير من الجمعيات التطوعية خاوية على عروشها.. ونحن هنا لا نتحدث عن البذل العيني الذي لطالما ملأنا الدلاء دموعاً على غيابه من الأثرياء.. بل عن البذل البدني، البذل من الطاقة والعلم، وهو ما يصح لنا أن نسميه صدقة البدن..
«المتطوعون يمكنهم تغيير العالم».. كان هذا شعار اليونيسيف قبل عدة أعوام.. ونحن بالفعل بحاجة لتشجيع التطوع والمكافأة عليه في هذه المرحلة.. على سبيل المثال يجب أن تكون هناك أولوية في التوظيف والترقيات لمن يقدم أعمالاً تطوعية. ويجب أن تنعكس الجهود التطوعية للطلبة والتلاميذ على درجاتهم. وعلى بعض المؤسسات شبه الحكومية أن تشجع موظفيها على التطوع عبر إعفائهم من ساعة عمل لهذا الغرض في سبيل ترسيخ قيمة العمل التطوعي في نفوسهم، فنحن شعوب لم تُجبل – للأسف – على تقديم شيء بلا مقابل، وربما نحتاج «لحوافز» تساعدنا على التأسيس لهذه الثقافة الغائبة..