بكين - (شينخوا)
يشهد العالم اليوم تغيرات كبرى لم يسبق لها مثيل خلال المائة سنة الماضية، وأصبح عدم الاستقرار وعدم اليقين بارزين بشكل متزايد، فجميع الناس والأمم والبلدان ترتبط ببعضها البعض ارتباطا وثيقا وتتقاسم مصيرا مشتركا. وقد برز هذا في تفشي جائحة فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19). فالفيروس لا يعرف الحدود، وفي مواجهة أزمة الصحة العامة المفاجئة هذه، ينبغي على العالم أجمع العمل معا لتجاوز الصعوبات.
وقد أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ مجددا التزام الصين بتعاون عالمي أوثق وتعددية أقوى في الاجتماعات رفيعة المستوى للأمم المتحدة من أجل مواجهة التحديات في حقبة ما بعد الجائحة.
وأثناء مخاطبته زعماء العالم، شرح الرئيس شي مفاهيمه ومقترحاته عبر رابط فيديو حول كيفية معالجة الأزمات الناجمة عن تفشي مرض كوفيد-19، وتعاظم الأحادية والحمائية، والتنمية غير المتوازنة وغير الكافية.
ولدي إشارته إلى ضرورة تضافر الجهود العالمية حتى تتسنى هزيمة المرض واستعادة الرخاء، قال الرئيس شي "علينا اتباع إرشادات العلم، وإفساح المجال كاملا للدور القيادي لمنظمة الصحة العالمية، وإطلاق استجابة دولية مشتركة للتغلب على هذا المرض".
75 عاما من التاريخ المشرق
أُعطيت الأمم المتحدة عند إنشائها - بعد الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية - ما اعتبره مؤسسوها في وقته أهم أهدافها: صون السلم والأمن الدوليين. ويدخل في أنشطة الأمم المتحدة في صون السلم والأمن الدوليين: منع النزاعات وصنع السلام وحفظ السلام وبناء السلام. وتتداخل هذه الأنشطة وربما نفذت في وقت واحد ليكون لها بالغ الأثر.
ومنذ 1945، لم يزل تحقيق التعاون في حل المشاكل العالمية ذات الأبعاد الإنسانية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية وتعزيز احترام حقوق الإنسان والتشجيع على الحريات الأساسية للجميع دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين - فضلا عن تحسين رفاه الناس - أحد المجالات التي تركز عليها الأمم المتحدة تركيزا شديدا.
وقد ألمح وانغ تينغ يي، الخبير الصيني بقسم العلاقات الدولية في جامعة تسينغهوا، إلى أنه في الخمسين سنة الأولى من القرن العشرين، شهد المجتمع البشري حربين عالميتين، قائلا إن قانون الضعفاء وقانون الغاب قادا إلى لعبة محصلتها صفر بين الدول الكبرى، ومات عشرات الملايين من الناس في الحروب والصراعات التي أصبحت مأساة للمجتمع البشري. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، أصبحت الأمم المتحدة منصة مهمة للتعاون المشترك، واتخذ المجتمع الدولي من هذه المنصة نقطة انطلاق للتعاون من أجل صون سلام المجتمع البشري.
وأكد وانغ تينغ يي أن الفهم العالمي للتنمية تغير بالفعل خلال العامين الماضيين، وعلى البلدان الآن الاتفاق على أن التنمية المستدامة - وهي تلك التنمية التي تعمل على تعزيز الازدهار والفرص الاقتصادية وزيادة الرفاه الاجتماعي وحماية البيئة - توفر أفضل السبل لتحسين معيشة الناس في كل مكان.
وشدد على أن الممارسة أثبتت أنه فقط من خلال تعزيز التعاون متعدد الأطراف وتجاوز لعبة المحصلة الصفرية، يمكننا تحقيق الأمن المشترك والتنمية المشتركة للبشرية؛ وأن حفاظ أي دولة على أمنها المطلق على حساب المصالح الأمنية للآخرين سيؤدى في النهاية إلى عدم حصول أي دولة على أمنها.
ومن جانبه، قال سون ده قانغ، الخبير في شؤون الشرق الأوسط بجامعة فودان، إنه بعد انتهاء الحرب الباردة، بذلت الصين والدول العربية جهودا في مواجهة التحديات المتمثلة في تحقيق السلام ودفع النمو الاقتصادي ورفع مستوى المعيشة ومكافحة الإرهاب وتحديث المجتمع والقضاء على الفقر والبطالة... وحققت نتائج ملموسة في هذا الصدد، ما يدل على فعالية النظام.
وذكر أنه في ظل الاستمرار الحالي لفيروس كورونا الجديد والانتعاش البطيء للاقتصاد العالمي وعودة الهيمنة والحمائية التجارية والشعبوية في بعض المناطق، يحتاج المجتمع الدولي إلى الأمم المتحدة أكثر من أي وقت مضى لمناقشة قضايا القصور الأمني وعجز التنمية التي تواجهه البشرية وذلك في الإطار متعدد الأطرف للأمم المتحدة.
وأشار سون ده قانغ إلى أن البشرية تملك أرضا واحدة فقط، وعلى جميع البلدان تجاوز الاختلافات في الأيديولوجيا والأفكار السياسية والمصالح الاقتصادية، والسعي إلى تحقيق الأمن المشترك ورفاه البشرية، والحفاظ على سلطة ومكانة الأمم المتحدة، وخلق عالم يسوده السلام والازدهار للأجيال القادمة، حسبما قال سون.
التعاون بدلا من التفكير الصفري
لدحر الجائحة التي أصابت أكثر من 30 مليون شخص وأودت بحياة ما يقرب من مليون شخص في جميع أنحاء العالم، ولتنشيط الاقتصاد العالمي في أقرب وقت ممكن، دعا الرئيس شي المجتمع الدولي إلى إعطاء الأولوية للناس والحياة، وتعزيز التضامن وتبني تدابير مكافحة شاملة وطويلة الأجل، لتجاوز أزمة الصحة العامة العالمية معا.
إن الفيروس لا يعرف حدودًا والعالم في لعبة شطرنج واحدة، وقد يكون لقرارات وإجراءات أي دولة آثار غير مباشرة على وضع الوقاية الشاملة من الجائحة والسيطرة عليها واستئناف العمل والإنتاج في البلدان المجاورة.
ورأت تشن يوه يانغ، مساعد المدير التنفيذي لمركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية والباحثة في جامعة شانغهاي للدراسات الدولية، أنه لا يمكن للدول تحقيق التوازن بين الوقاية من الجائحة والسيطرة عليها والتنمية الاقتصادية إلا من خلال تعزيز التنسيق والتعاون، والعمل على تكييف التدابير مع الظروف المحلية، والظروف الزمنية.
وقالت تشن إن الفوز المشترك والتخلي عن التفكير الصفري يعتبر معيارًا مهمًا لتنمية الصين لعلاقاتها الخارجية، كما أنهما من المفاهيم المهمة في التفكير الفلسفي الصيني التقليدي، ومستمدان من التراث الثقافي القديم للصين، ويأخذان دلالات جديدة مع تطور العصر.
وأضافت تشن أن التخلي عن التفكير الصفري هو منتج عام توفره الصين للعالم حيث تدعو الصين إلى التعايش والازدهار المشترك في إطار التناغم، مشيرة إلى أن التفكير الصفري يرى أن مجموع مكاسب وخسائر جميع الأطراف في اللعبة هو دائما "صفر"، ولا توجد إمكانية للتعاون بين الطرفين. لذلك، من أجل تعزيز التعاون، يجب علينا أولاً التخلي عن التفكير الصفري.
تواجه جميع دول العالم في الوقت الحاضر صعوبة استئناف العمل والإنتاج وتعافي الاقتصاد، وقد انتهزت بعض الدول هذه الفرصة لتصعيد سياساتها الحمائية. وفي هذا الصدد أشارت تشن إلى أن الحمائية ليس فقط من الصعب أن تحقق أهداف سياستها الخاصة، ولكنها تعرض أيضا التنمية الاقتصادية العالمية للخطر. وإن التخصيص العالمي للموارد يمكن أن يؤدي إلى تحسين الكفاءة بشكل كبير ويعكس قانون التنمية الاقتصادية العالمية؛ وانتهاك هذا القانون لن يقود سوى إلى نتائج سلبية.
وتذكرنا جائحة (كوفيد-19) بحقيقة أن جميع البلدان مرتبطة ببعضها البعض ارتباطا وثيقا وتشترك في مستقبل مشترك. وفي مواجهة الفيروس غير المعروف سابقا، شاركت الصين بنشاط في المكافحة العالمية لكوفيد-19 من خلال تبادل المعلومات وخبراتها القيمة في مكافحة الأمراض وعلاجها، وتوفير الإمدادات الطبية للبلدان المتضررة بشدة، والمشاركة في البحوث العلمية العالمية، واستئناف الأعمال التجارية بطريقة منظمة للحفاظ على تشغيل سلاسل التوريد العالمية.
وفي معرض حثه على التعاون، قال الرئيس شي "لن يكون كوفيد-19 آخر أزمة تواجه البشرية، لذلك يجب أن نتعاون ونستعد لمواجهة المزيد من التحديات العالمية".
وفي هذا الصدد، أشار سون ده قانغ إلى أنه من المتوقع أن تلعب الأمم المتحدة، قلب التعددية، دورا أكبر وأكثر فاعلية في معالجة القضايا العالمية، مضيفا بقوله إن الأحادية والحمائية تقوضان أسس الاقتصاد العالمي ونظام الحوكمة.
وشدد على أن مفهوم "مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية" يؤكد على السعي وراء المصالح والقيم المشتركة للبشرية، ويعزز التنمية المشتركة لجميع البلدان في السعي لتحقيق تنميتها الذاتية. وأصبحت أهمية هذا المفهوم أكثر وضوحا الآن.