الخليج من دون الأمريكيين

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٣/أبريل/٢٠١٦ ٢٣:٤٠ م
الخليج  من دون الأمريكيين

فريد أحمد حسن

من الكتب اللافتة التي تم توقيعها في معرض البحرين الدولي للكتاب الذي أقيم في المنامة أخيرا كتاب للزميل يوسف البنخليل رئيس تحرير صحيفة "الوطن" البحرينية عنوانه "الخليج بدون الأمريكان " يتضمن خمسا وعشرين سيناريو لمستقبل الخليج العربي . وحسب تعريف مؤلفه فإن هذا الكتاب يبحث إشكالية تراجع نفوذ الولايات المتحدة من منطقة الخليج العربي باعتباره تطورا تاريخيا يعكس ما تمتاز به هذه المنطقة الاستراتيجية في ضوء أهميتها الدولية ومعطيات التاريخ واعتبارات الجغرافيا السياسية . هذا الكتاب يتناول معضلة السيطرة الأجنبية على الخليج العربي وعدم تمكن القوى العظمى والكبرى من الحفاظ على النفوذ بشكل مطلق ، كما يتناول تحليلا عن جدوى ظهور قوة خليجية مبتكرة قادرة على ملء الفراغ السياسي في الإقليم وتحدي أبرز التحديات التي يمكن أن تواجهها مع تراجع النفوذ الأمريكي . وحسب المؤلف فإن السيناريوهات الخمسة والعشرين تساعد على فهم مستقبل المنطقة في ضوء متغيرات الشرق الأوسط الذي لن يكون كما نعرفه من دول وشعوب بعد عقود قليلة من الزمن .

الكتاب من القطع المتوسط ويقع في نحو مائة وعشرين صفحة ويمتاز بالرسوم البيانية والجداول التي تعين القارئ العادي على استيعاب تفاصيله وفهم مرامي كاتبه الذي من الواضح أنه حريص على توصيل أفكاره للعامة أيضا إلى جانب السياسيين الذين قد يختلفون معه في بعض تصوراته وقراءاته للساحة وتطورات الأحداث فيها ، وهو أمر طبيعي حيث الكتاب يقوم على تصور سيناريوهات للحال المتوقع في منطقة الخليج العربي في حالة لو صار خاليا من الأمريكان .

ومع هذا يؤكد المؤلف أن الخليج من دون الأمريكيين لا يعني أنه سيكون خليجا من غير وجود أمريكي فالمصالح الاستراتيجية لواشنطن ستستمر فيه وإنما يعني أن مسئولية إدارته وحمايته ستتركز لدى محور آخر غير المحور التقليدي ، مبينا أن حال الخليج من دون الأمريكيين صار بالإمكان مشاهدة تفاصيله حيث الجميع يلاحظ اليوم تراجع الدور الأمريكي في حماية أمن الخليج .

المؤلف يرى أن الأمر – إزاء هذا الوضع الجديد على المنطقة –سيدفع دول مجلس التعاون الخليجي إلى تبني أحد خيارين ؛ الأول هو البحث عن قوة دولية جديدة لتعزيز أمن الخليج وخلق توازن بين القوى الإقليمية ، والثاني هو الاعتماد العسكري الذاتي وعدم الاعتماد على قوة دولية لحفظ الأمن الإقليمي كما حدث عند انسحاب بريطانيا (في 1970 انسحبت بريطانيا فشغلت الولايات المتحدة الفراغ الذي خلقته)، كما يرى المؤلف أن لجوء دول المجلس إلى الخيار الثاني يعني أنها ستضطر إلى زيادة نفقاتها العسكرية والتي هي اليوم الأعلى على المستوى العالمي ، ذلك أن تراجع الدور الأمريكي من شأنه أن يخلق تهديدات جديدة بين القوى الإقليمية في المنطقة وأن يدفع بسباق تسلح شبيه بما كان الحال في مطلع الثمانينيات من القرن العشرين . هنا يطرح البنخليل سؤالا يعتبره الأهم ، كيف يمكن أن تتعامل دول مجلس التعاون الخليجي مع طهران في حال حدوث تقارب أمريكي إيراني ، وأيضا في حال تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة كنتاج لحال الخليج العربي من دون الأمريكيين ؟ ويرى – المؤلف – أنه في مثل هذا الوضع ستكون دول التعاون أمام ثلاثة خيارات أولها خيار تقويض النظام الإيراني على مدى زمني طويل ، وثانيها التعامل الحذر مع إيران لا يصل إلى مرحلة إنهاء المصالح المشتركة ، وثالثها التعامل مع إيران عبر وسطاء كدول الاتحاد الأوروبي أو بعض الدول الآسيوية ، لكن في الخيارات الثلاثة من المستبعد أن تكون العلاقات الخليجية الإيرانية في حال الخليج من دون الأمريكان مستقرة .

المؤلف يطرح أيضا سؤالا آخر مهما هو من الرابح في حال صار الخليج من دون أمريكان ؟ واشنطن أم طهران أم الاتحاد الأوروبي أو دول مجلس التعاون نفسها ؟ ويخلص إلى أن التحول المتوقع سيكون هائلا لكنه لن يحدث فجأة وإنما بشكل تدريجي وقد تزداد وتيرته في أي وقت ، ويقرر أن التحدي الأساس هو كيفية التعامل مع كل هذا المتوقع حدوثه سواء من قبل دول المجلس أو القوى الإقليمية والدولية .

من السيناريوهات التي يتوقعها المؤلف في المرحلة المقبلة رحيل أمريكا عن منطقة الخليج العربي بسبب دخولها في تحالف مع إيران أو بسبب ظهور أزمة اقتصادية خانقة في الولايات المتحدة يصعب معها تحمل النفقات العسكرية المكلفة ، وغيرها من سيناريوهات يطرحها بناء على توفر معطيات معينة ويرد عليها باستعراض العوامل المعيقة لها ويستعرض الموقف الأمريكي وردة الفعل المتوقعة من الولايات المتحدة في حل حدوث هذا التطور أو ذاك .

الكتاب يمكن تصنيفه في باب جلسات العصف الذهني ، فالمؤلف يفترض تغيرا ما ويتبعه بتصور الحال في حال حدوث ذلك الأمر وتصور موقف الولايات المتحدة وموقف دول مجلس التعاون . المثير في كل هذا أن كل الافتراضات تبدو منطقية وكذلك المواقف وردود الفعلالمتوقعة ، حتى تلك التي قد تصنف في باب الخيال أو تبدو بعيدة عن الواقع .

قارئ "الخليج بدون الأمريكان" ليوسف البنخليل سيجد نفسه تلقائيا أمام سؤال عما إذا كان يمكن بالفعل أن تخطو أمريكا مثل هذه الخطوة في وقت تعلم فيه جيدا أن إسرائيل في حاجة ماسة لوجودها في المنطقة وأن هذا الكيان يمكن أن يتعرض للكثير من المخاطر في حال دخولها في هذه الخطوة .

ليست خيالا ولكنها تصورات مشروعة تحفز العقل على التفكير في مستقبل منطقة الخليج العربي لو حدث أمر كهذا .

• كاتب بحريني