«هجوم الربيع» موسم إرهاب سنوي في أفغانستان

الحدث الأربعاء ١٣/أبريل/٢٠١٦ ٢٣:٣٠ م
«هجوم الربيع» موسم إرهاب سنوي في أفغانستان

كابول –
هجوم الربيع هو سلسلة من الهجمات الألمانية على الجبهة الغربية خلال الحرب العالمية الأولى إلا أن حركة طالبان استوحت التسمية توصيفاً لهجمات سنوية أعلنت أمس الثلاثاء بدئها بينما تحاول دول عدة دفعها إلى الجلوس على طاولة المفاوضات.

وأعلن المتمردون في بيان أنهم يعتزمون «شن هجمات واسعة النطاق على مواقع معادية في جميع أنحاء البلاد» في الهجوم الذي أطلقوا عليه اسم «العملية العمرية» تكنياً بزعيم الحركة الراحل الملا محمد عمر الذي أعلنت وفاته الصيف الفائت.

وينذر هجوم الربيع عادة ببدء «موسم المعارك» في أفغانستان بعد هدنة في الشتاء، لكن هذه السنة استمرت المعارك طوال الشتاء في جميع أنحاء أفغانستان.
وأعلنت حركة طالبان بصورة خاصة شن عمليات «ينفذها استشهاديون ضد معاقل معادية» في هجمات انتحارية غالباً ما ينفذها المتمردون ضد الشرطة والجيش الأفغانيين اللذين يعتبرونهما «اتباعاً» للقوات الأجنبية المنتشرة في أفغانستان.
وقتل الاثنين 12 مجنداً في الجيش في عملية انتحارية تبنّتها الحركة المتمردة في شرق البلاد.
غير أن «طالبان» الذين يشنون حركة تمرد دامية منذ الاجتياح الأجنبي الذي أسقط نظامهم العام 2001، يعتزمون أيضاً مهاجمة القوات الأطلسية المتبقية في البلاد وعديدها 13 ألف جندي «للنيل من معنوياتهم وإرغامهم على مغادرة البلاد»، وفقاً لما جاء في بيان تلقته وكالة فرانس برس ونشرته الحركة على الإنترنت.
ورحيل الجنود الأجانب من الشروط الرئيسية التي يطرحها المتمردون للعودة إلى طاولة المفاوضات.
وجرت جولة أولى من المفاوضات المباشرة بين طالبان وكابول في ‏يوليو الفائت في باكستان لكن الاتصالات انقطعت فجأة عند الإعلان عن وفاة الملا عمر. ومنذ ذلك الحين سعت حكومة كابول للحصول على تأييد الصين والولايات المتحدة وباكستان لاستئناف المفاوضات. وعقدت لجنة رباعية من هذه الدول أربعة اجتماعات في كابول وإسلام اباد منذ بداية السنة دعت «كل مجموعات طالبان» إلى التفاوض، لكن من دون تحقيق نتيجة.
وإن كان الملا اختر منصور، خلف الملا عمر، لا يحظى بالإجماع بين قادة طالبان، إلا أن الحركة ضاعفت الاعتداءات والهجمات خلال الأشهر الأخيرة.
وتمكن المتمردون من السيطرة ولو بصورة عابرة في الخريف على مدينة قندوز ذات الموقع الاستراتيجي في شمال البلاد.

رقم قياسي

سجل عدد الضحايا المدنيين للنزاع في أفغانستان رقماً قياسياً جديداً في النصف الأول من العام الفائت مع نهاية المهمة القتالية للحلف الأطلسي، على ما أعلنت الأمم المتحدة في أغسطس الفائت، فيما تمزق حركة طالبان المدعوة إلى محادثات سلام خلافات داخلية حول زعامتها.

بين الأول من يناير و30 يونيو قتل 1592 شخصاً وأصيب 3329 في أعمال العنف، على ما أعلنت بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان في تقرير بهذا الخصوص تنشره كل نصف عام.
وأحصت البعثة تراجعاً بنسبة 6 % في عدد القتلى مقارنة بالنصف الأول من 2014، لكن عدد الجرحى ارتفع 4 % في المعارك بين المتمردين وقوى الأمن الأفغانية، والهجمات والاغتيالات.
بالإجمال ارتفع عدد ضحايا النزاع 1 % مقارنة بالعام الفائت وبلغ 4921 قتيلاً وجريحاً، وهو الرقم الأعلى منذ 2009، العام الذي بدأ فيه جمع هذه الإحصاءات واشتعال العنف مجدداً في أفغانستان.
والأكـــــثر إثــــــارة للقلق بين ضحايا العنف هو ارتفاع عدد النساء إلى 23 % والأطفال 13 %.
وتشكل المعارك على الأرض بين المتمردين وقوى الأمن الأفغانية أكثر ما يوقع قتلى وجرحى بين المدنيين الأفغان بحسب الوثيقة التي تشير كذلك إلى أن 70 % من القتلى والجرحى من مسؤولية المتمردين.
وأفاد رئيس بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان نيكولاس هايسوم في التقرير أن «الإحصاءات البحتة بخصوص الضحايا المدنيين لا تعكس مدى فظاعة العنف في أفغانستان والجثث الممزقة لأطفال وأمهات وفتيات وأبناء وآباء». وأضاف «تلك هي النتائج الحقيقية جداً للنزاع في أفغانستان المستمر منذ 2001 وسقوط نظام طالبان».
منذ ديسمبر الأخير ونهاية مهمة الحلف الأطلسي القتالية بات الجيش والشرطة الأفغانيان وحدهما في مواجهة المسلحين الإسلاميين وأغلبهم من حركة طالبان. وما زال حوالي 1300 جندي أجنبي منتشرين في أفغانستان لكن مهمتهم تقتصر على تدريب نظرائهم الأفغان ومهمات محددة لمكافحة الإرهاب.
بالتالي بدَّل مقاتلو طالبان تكتيكهم القتالي «وتخلوا عن حرب العصابات التي اعتمدوها عندما كان الحلف الأطلسي ينفذ مهمة قتال وبدأوا يستهدفون القوات الأفغانية مباشرة. أصبحت طالبان أكثر جرأة»، بحسب جرايمي سميث الخبير في مجموعة الأزمات الدولية للأبحاث. بالتالي ارتفع كذلك عدد الضحايا في صفوف الجيش والشرطة.
وتعكس أرقام الأمم المتحدة كذلك انتشار المعارك إلى مناطق أفغانستان كافة. ففيما يعتبر جنوب البلاد وشرقها، معقلاً طالبان، الأكثر تضرراً من العنف، تكاثرت الهجمات والمعارك في الأشهر الأخيرة في شمالها وشمال شرقها في مناطق كانت مستقرة نسبياً في السابق.
بالتالي في شمال شرق أفغانستان وعلى الأخص ولاية بداخشان على الحدود مع طاجيكستان كثّف المتمردون علمياتهم الهجومية. وارتفع عدد القتلى والجرحى المدنيين في المنطقة من 311 في الفصل الأول من 2014 إلى 545 لهذا العام، بحسب التقرير.
لكن بالرغم من هذا الوجود المتزايد على الأرض تشهد حركة طالبان أزمة داخلية تتعلق بخلافة زعيمها التاريخي الملا عمر والتي كانت أولى نتائجها الإرجاء إلى أجل غير مسمى لمشاركتها في محادثات السلام مع الحكومة الأفغانية التي انطلقت في ‏يوليو في باكستان.
وأدى الإعلان عن وفاة الملا عمر وتعيين الملا اختر منصور خلفاً له إلى بروز جناح رافض في طالبان تتصدره عائلة الملا عمر التي رفضت بشكل قاطع مبايعة الزعيم الجديد للتمرد الإسلامي.
لكن في غياب الحد الأدنى من الوحدة من الصعب أن تعود طالبان سريعاً إلى طاولة المفاوضات بحسب المحللين.
غير أن هذه المحادثات هي «الخيار الوحيد الذي يتمتع بمصداقية» لإعادة السلام إلى المنطقة، على ما أكد قائد الجيش الباكستاني الجنرال راحيل شريف هذا الأسبوع.

النشأة والمسيرة

نشأت الحركة الإسلامية الدينية المعروفة باسم طالبان في ولاية قندهار الواقعة جنوب غرب أفغانستان على الحدود مع باكستان العام 1994م، على يد الملا محمد عمر، وهو أبو طالبان حيث رغب في القضاء على مظاهر الفساد الأخلاقي وإعادة أجواء الأمن والاستقرار إلى أفغانستان، وساعده على ذلك طلبة المدارس الدينية الذين بايعوه أميراً لهم العام 1994م.

الانتماء العرقي
ينتمي معظم أفراد حركة طالبان إلى القومية البشتونية التي يتركز معظم أبنائها في شرق وجنوب البلاد ويمثلون حوالي 48 % من تعداد الأفغان البالغ قرابة 27 مليون نسمة.
وطالبان حركة إسلامية حكمت أجزاء كبيرة من أفغانستان ابتداءً من سبتمبر 1996. أعلنت قيام الإمارة
بعد سقوط الجمهورية الديمقراطية الأفغانية المدعومة من قِبل الاتحاد السوفييتي في العام 1992م، تردت الأوضاع في أفغانستان وشاع قانون الغاب بين القوى الأفغانية المتناحرة.
في ربيع العام 1994م، شاع خبر اختطاف واغتصاب فتاتين عند إحدى نقاط السيطرة التابعة لإحدى الفئات الأفغانية المتناحرة في قرية سانج هيسار قرب مدينة قندهار ونما إلى الملا محمد عمر خبر اختطاف الفتاتين فألّف قوة من 30 رجلاً وسعى مع الرهط لتخليص الفتاتين وقد نجح في عملية التخليص وقام بدوره بتعليق قائد عملية الخطف والاغتصاب على المشنقة.
فر الملا عمر بعد هذه الحادثة إلى بلوشستان الواقعة في باكستان وعاود الظهور مرة أخرى في أفغانستان في الخريف إلا أنه هــــــذه المرة كان مدججاً بـ 1500 من الرجال المسلحين والهدف من هذا العتاد كان لتوفيـــــر الحماية لقوافل التجار الباكســـتانيين لعـــــبور الأراضي الأفغانية مروراً إلى تركمانستان، إلا أن التقارير كــــــانت تفيد أن هذه الـــــقوافل لم تكن إلا مـــــقاتلين باكستانيين متخفين كقوات طالبان.

بهذا، تكون طالبان قد تلقت دعماً مادياً، عتادياً، والتدريب اللازم من الباكستانيين.

بعد التمكن من السيطرة على قندهار وما حولها، هاجمت طالبان قوات إسماعيل خان المتمركزة في غرب البلاد وتمكنت من السيطرة على مدينة «هيرات» في 5 سبتمبر من العام 1995م.

وفي شتاء العام نفسه، حاصرت طالبان العاصمة «كابول» وأطلقت الصواريخ على المدينة وقطع الطرق التجارية المؤدية إلى مدينة كابول مما استدعى من كل من رئيس أفغانستان برهان الدين رباني وقلب الدين حكمتيار المتناحرين التوقف عن القتال فيما بينهما وتوحيد الصفوف في مواجهة العدو المشترك طالبان. في 26 سبتمبر من العام 1996، ترك حكمتيار ورباني كابول العاصمة واتجها شمالاً وتخليا عنها لتقع في يد طالبان التي تسلمت مقاليد الأمور في العاصمة وأنشأت إمارة أفغانستان الإسلامية.

في أحسن الأحوال، اعترفت باكستان بحركة طالبان كحكومة شرعية في أفغانستان وتلتها المملكة العربية السعودية في اليوم التالي وآخر المعترفين في حركة طالبان كممثل شرعي في أفغانستان كانت الإمارات العربية المتحدة.

وكانت طالبان تتحكم بالسواد الأعظم من أفغانستان باستثناء الجزء الشمالي الشرقي الذي فرضت قوات «التحالف الشمالي» سيطرتها عليه. لم يعترف باقي العالم بحركة طالبان كممثل شرعي في أفغانستان إلا الدول الثلاث آنفة الذكر ومن ضمن الذين لا يعترفون بحركة طالبان كممثل شرعي منظمة الأمم المتحدة التي كانت لا تزال تعد «رباني» رئيساً لأفغانستان رغم علم المنظمة بقلة حيلة رباني في السيطرة على زمام الأمور.

2001، قامت الولايات المتحدة مدعومة من قِبل بلدان أخرى بغزو أفغانستان لرفض حركة طالبان تسليم أسامة بن لادن وقامت قوات تحالف الشمال بخوض المعارك البرية وتم استبعاد حركة طالبان من دفة الحكم.