الادعاء العام طالب بـ إعدام القاتل".. جثة هامدة على طريق الباطنة السريع

بلادنا الاثنين ١٤/سبتمبر/٢٠٢٠ ٢٢:٤٠ م
الادعاء العام طالب بـ إعدام القاتل".. جثة هامدة على طريق الباطنة السريع

مسقط - الشبيبة

نشر الادعاء العام في مجلته الفصلية " المجتمع والقانون" الصارة يوم أمس 13 سبتمبر 2020، عدداً من الجرائم والقضايا التي تناولتها أروقة القضاء ومن بين تلك القصص قصة حملت عنوان "الخمر افقده عقله .. فقتل صديقه عمداً" .. "الشبيبة" اطلعت على المجلة ورصدت لكم هذه القصة بكافة تفاصيلها

أولا : البلاغ ومجريات التحقيق
في صباح يوم الخميس، الموافق 6 سبتمبر 2018 استيقظت إحدى ولايات السلطنة على واقعة مفجعة حيث عثر بقارعة طريق الباطنة السريع باتجاه مسقط جثة هامدة لشخص مجهول الهوية فانتقل على الفور فريق من مركز الشرطة المختص مكانيا إلى موقع البلاغ، وبوصولهم تبين لهم أن الشخص في العقد الخامس من عمره، يرتدي ملابس عمانية وهو مفارق الحياة، وتوجد به إصابات ظاهرية، وتشير المعطيات إلى وجود شبهة جنائية، فانتقل على الفور عضو الادعاء العام وفريق من مسرح الجريمة، والطبيب الشرعي إلى الموقع، حيث اتخذت إجراء المعاينات اللازمة على المسرح والجثة، ورفع العينات، وتحريز الآثار والمواد المتعلقة بالجريمة، كما تم نقل الجثة إلى الطب الشرعي؛ لفحصها وتشريحها وبيان أسباب الوفاة، بموجب الأذونات القضائية الصادرة من الادعاء العام .
أذن الادعاء العام لشركات الاتصالات بتزويد جهات التحري والاستدلال بالكشوف المقيدة للمكالمات الصادرة والواردة، من وإلى هاتف المجني عليه (الهالك ) ، للتوصل إلى الجاني. وبمواصلة إجراءات البحث والتحري والاستدلال، تكللت جهود رجال شرطة عمان السلطانية - بعد توفيق من الله عز وجل- بالنجاح والتوفيق، فقبض على الجاني الذي بسؤاله - استدلالا- اعترف بقتله المجنى عليه، فأحيل إلى الادعاء العام.

ثانيا : تحقيقات الادعاء العام
باستجواب المتهم أمام الادعاء العام، اعترف بالجرم المنسوب إليه، مفصلا اعترافه بالقول: أنه في يوم الأربعاء بحدود السابعة مساء، ورده اتصال هاتفي من المجني عليه، طالبا منه الخروج برفقته الشراء الخمر، فذهبا ما بمركبته، واشتريا زجاجة من الخمر وماء وثلج، وجلسا في مكان متوار عن الأنظار، يتناولون الخمر، وبعد مضي أكثر من ثلاث ساعات تقريبا، أي بحدود الساعة الثانية عشرة ليلا، قام المجني عليه من مكانه، وأخذ يحتضنه، أي يحتضن المتهم، في إشارة إلى اتجاه إرادته إلى ممارسة الفحش معه، وهو الأمر الذي دفع بالمتهم إلى دفعه عنه، ثم أحضر من المركبة مفك براغي إطارات، المعروف باسم (ويل بانة)، فانهال عليه ضربا في أنحاء متفرقة من جسمه، حتى أسقطه مغشيا عليه، فنقله بسيارته إلى مكان بعيد عن الأنظار، وواقعه جنسيا بداخل المركبة انتقاما منه، وكان المجني عليه لا يزال حيا وقتها، ثم اتجه به إلى الشارع السريع، وأنزله في مكان متوار، وضربه عدة مرات بالأداة ذاتها (ويل بانة) على رأسه، ثم دهسه بالمركبة عدة مرات، وهرب من الموقع، ثم اتصل بالشاهد يسأله عن مكان وجوده، فأخبره بأنه ساهر مع أصدقائه، فذهب برفقتهم، وجلس معهم حتى الساعة الثالثة والنصف فجرا، ليتجه أخيرا إلى منزله، وغير ملابسه قبل أن يتجه إلى مسقط، حيث تم القبض عليه.

ثالثاً: التصرف في التحقيقات
بعد الانتهاء من استجواب المتهم وسماع الشهود وجمع الأدلة المادية والفنية، وعرض الأوراق للتصرف، ثبت للادعاء العام مقارفة المتهم لجناية القتل العمد مع سبق الإصرار) المؤثمة بنص المادة (302 / 1) من قانون الجزاء، وجناية (هتك عرض ذكر مصاب في بدنه وعاجز عن المقاومة المؤثمة بنص المادة (258) من القانون ذاته، وجنحة (تعاطي الخمور في مكان عام) المؤثمة بنص المادة (289) من القانون ذاته، وجنحة ( التعامل في الخمور) المؤثمة بنص المادة (285) من القانون ذاته، وجنحة (سياقة مركبة بحالة سكر) المؤثمة بنص المادة (50 مکررا) من قانون المرور، وجنحة ( ارتكاب أفعال مخالفة للآداب العامة بداخل المركبة) المؤثمة بنص المادة (6/1) من القانون ذاته، وجنحة (عدم تجديد رخصة تسيير المركبة) المؤثمة بنص المادة (52) بدلالة المادة (5) من القانون ذاته.

وبناء عليه، قرر الادعاء العام بتاريخ 19 نوفمبر 2018 إحالة المتهم محبوساً إلى محكمة الاستئناف (دائرة الجنايات)؛ لمعاقبته بعقوبة الإعدام طبقا للأوصاف والقيود الواردة بقرار الإحالة المعزز بقائمة أدلة الاتهام منها الآتي: تقرير الطب الشرعي الذي يؤكد أن الإصابات التي لحقت بالمجني عليه بعضها جائزة الحدوث من الضرب بحديده، وبعضها من الدهس بإطار سيارة، وبعضها من السحل على الأرض.
وتعزى الوفاة إلى الإصابات الموصوفة بالرأس والصدر، وما أحدثته من كسر شرخي بعظام الجمجمة، وكسور بعظمة القص والأضلاع، وتهتك بالمخ والرئة، ونزيف دموي إصابي غزير، وصدمة وهبوط بالدورة الدموية والتنفسية انتهت بالوفاة.
التقرير الفني المروري الذي يثبت أنه بفحص مركبة الجاني فنيا ومعاينتها تبين وجود أضرار من جهة اليمين من المقدمة والمؤخرة والصدام الأمامي والخلفي، ووجود آثار دماء وشعر في أرضية المركبة.
تقرير الفحص الفني البيولوجي للعينات المحرزة يؤكد أنه تم اكتشاف حمض نووي آدمي على العينات المأخوذة من مركبة المتهم والهالك، وتبين أنها تطابق الهالك والمجني عليه. يؤكد رد شركات الاتصالات وجود تواصل بين المتهم والمجني عليه في يوم الواقعة، وهو ما يتوافق مع ما جاء في التحقيقات، واعتراف المتهم الصريح والمفصل بالجرم المسند إليه .

رابعا : الحكم
بعد نظر القضية في عدة جلسات، تم فيها استجواب المتهم ومواجهته بالتهم المنسوبة إليه، وسماع شهود الواقعة، والاستماع إلى شهادة الخبراء والأطباء ومأموري الضبط القضائي، ومناقشتهم في التقارير المعدة من قبلهم، والاستماع إلى مطالبة أولياء الدم، ومرافعة الادعاء العام، وكان للمتهم محام يدافع عنه في المحكمة، وفقا للضمانات الإجرائية التي كفلها المشرع له.

في الجلسة العلنية المنعقدة يوم الثلاثاء الموافق 28 يناير 2020 قضت محكمة الجنايات بإدانة المتهم بجناية القتل عمدا ومعاقبته عنها بالسجن المطلق، وإدانته بجناية هتك عرض المجني عليه وبجنحة ممارسة أفعال مخالفة للآداب العامة بداخل مركبة، ومعاقبته عنهما بالسجن خمس سنوات، باعتبار عقوبة الوصف الأشد، وإدانته بجنحة تعاطي الخمر في مكان عام، ومعاقبته عنها بالسجن ثلاثة أشهر والغرامة ثلاثمائة ريال عماني، وإدانته بجنحة التعامل بالخمور، ومعاقبته عنها بالسجن ستة أشهر، وإدانته بجنحة سياقة مركبة تحت تأثير الخمر، ومعاقبته عنها بالسجن مدة شهر والغرامة أربعمائة ريال، وإدانته بجنحة عدم تجديد رخصة تسيير مركبته، ومعاقبته عنها بالغرامة مائة ريال، تدغم عقوبات السجن الأخف في الأشد، ومعها تجمع عقوبات الغرامة لتكون العقوبة النافذة بحق المحكوم عليه السجن المطلق والغرامة ثمانمائة ريال مع مصادرة مركبة المحكوم عليه.

ويعود السبب في تخفيف العقوبة المقضي بها على المتهم من عقوبة الإعدام إلى عقوبة السجن المطلق إلى ما وقر في يقين عدالة المحكمة بعدم وجود ظرف سبق الإصرار والتصميم، ذلك أن الوقائع تؤكد أن القتل لم يكن وليد تخطيط سابق؛ وإنما حصل آنيا وفي لحظته، ولا ينال من ذلك أن المتهم كان يرمي إلى تحقيق النتيجة من خلال النشاط المتتالي على المجني عليه، فذلك وإن كان مما يقيم نية القتل لديه، لكنه لا يكفي الإقامة ظرف سبق الإصرار الذي يلزمه توافر عنصر زمني وآخر نفسي، بأن يقوم المتهم بتقليب الفكرة، ويخطط لتنفيذها، ويقدم عليها وهو هادئ النفس، الأمر الذي لا يتوفر في القضية محل الحكم .