البوصلة تحتاج إلى توجيه

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٩/سبتمبر/٢٠٢٠ ١٥:٥٥ م
البوصلة تحتاج إلى توجيه

«كيف يمكن هذا ، لقد قرأت في كل مكان بأن الشباب هو أكثر مراحل الحياة اكتمالاً ، فمن أين يأتي هذا العدم وهذا التشتت «

-ميلان كونديرا

وهل كان الرجال الأوائل الذين نشروا الحضارة شرقاً وغرباً الا شبابا! إن الشباب هم من صنعوا التاريخ ، وحيثما وليت وجهك في صفحات دواوين الأمم ، ستجد أن الشباب هم القادة ومحور التغيير ومن تستند عليهم الشعوب في انجاز تطورها ونمائها ، واليوم عندما نقول شباب اليوم والغد، فإنه يتبادر الى اذهاننا الطموح ، والامل ، والارادة ، والمستقبل ، فهم ناشرو السعادة والبهجة والتفاؤل بإذن الله تعالى.

لقد ساءني ما قرأت من قصص لبعض الشباب المتهور، فمنهم من يفقد السيطرة بسبب السرعة المجنونة أثناء قيادته للمركبة، ومنهم من يقفز من علو مرتفع في البحيرات من اجل التباهي، ومنهم من يجرب أنواع من التعاطي الغير المشروع ، وما كان اشد عجبي ممن يوثقون بالصوت والصورة اعمالهم هذه التي تدينهم.

أن اقبال الشباب على الحياة في هذا الوقت يشبه الاعاصير البحرية التي تنطلق بدون هوادة وبدون تحديد وجهة ، اعمالهم سريعة وحديثهم سريع ، وحتى مطعمهم ومشربهم ، عندهم الرغبة المستمرة للتسلية وتضييع الوقت ولا تهمهم النتائج بقدر ما يهمهم كيف الانتهاء من اي امر يوكل اليهم ، وهذا بالطبع لا ينطبق على الكل وانما على فئة وشريحة كبيرة منهم اليوم.

وكثير ما تخيب توقعاتنا بالشباب اليوم ، لأنهم واقعون تحت نمط اتكالي وتحت تأثير مغريات العصر، سواء كان عند جلوسهم بالساعات الطويلة امام الأجهزة الإليكترونية والشاشات، أو البحث عن اشباع رغبات بوهيمية اخرى يعلمها الجميع لا احبذ ذكرها في مقالي هذا تجنباً لهضم حق الفئة الصالحة منهم.

وما يقوله علماء النفس ،وعلماء الاجتماع من بيان في تفسير هذا السقوط المدوي للشباب في هذا الوقت في الملذات والاغراءات ، هو عين الصواب فقد ربطوا أسبابه باعوجاج المجتمعات بالإضافة الي تجني بعض الأسر على شبابها بالتساهل والإهمال، وعدم الاصلاح والتربية الخاطئة ، بل هناك من الأسر من زاد في معاناة شبابها عبر تيسير وتسهيل حصولهم على ما يطلبونه ومالا يطلبونه ويحتاجونه من نقود ومستلزمات ، وهذا التساهل بلا شك يعينهم على انخراطهم في هذه الطرق المعوجة.

أسباب كثيرة متعددة تأثر بها الشباب منها الاجتماعية ، ومنها البيئة ، فما يتأثرون به في منازلهم ،ومدارسهم ،واصدقائهم ينعكس سلباً أو أيجاباً على افعالهم وتصرفاتهم .

وكثير من الشباب فقدوا بوصلة التوجيه السليم التي كانت مطلوبة من الأبوين للتربية الصحيحة ، وذلك بسبب قلة الوعي التربوي لدى الاسرة ، فهناك من لا يزال يعتقد الى الان رغم كل المعلومات المتاحة له للاطلاع عليها لعلاج سوء السلوك التربوي لأولاده ، الا انه يعتقد بأن الاكل والشرب والملابس والمتاع والادوات والاجهزة هي كل المطلوب من الآباء ، ونسو أهم عامل من عوامل التربية السليمة الا وهو التنشئة الفكرية الصالحة .

نشأة الشباب اليوم تحت ظلال الاجهزة الاليكترونية التي اصبحت تدير حياتهم وتوجههم ، فاصبحوا معدومين الاخلاق منصرفين الي السهر سريعين الاستفزاز ، وسريعين الغضب، تجد الواحد منهم ناعس العينين يشوبهما الاحمرار والارهاق ، يصرف المال دون اكتراث ويطلب المزيد دون وعي في كل وقت وحين.

مثل هؤلاء الشباب لا اهلية لهم لدى استلامهم المسؤوليات ، أو بناء أسرة صالحة ، فلذلك نرى ونلاحظ ازدياد نسب الطلاق في المجتمع بعد وقت قصير جدا من الزواج ، وما ذلك عائد الا لما ذكرناه انفاً .

فما احوجنا اليوم لضبط أعادة توجيه بوصلة التربية والتأثير على تصرفات ابنائنا تربويا عبر جلسات مطولة للتوضيح لهم ولبيان الفرق والتفرقة بين النوازع البوهيمية لديهم، وبين توجيههم الى اشتغالهم بما ينفعهم.

يا لها من ثروة اهدرت ، ثروة الشباب ، وما كان ذلك ليتم لولا إهمال واستهتار الأسرة خاصة الام ثم الاب ، فلا مناص اليوم من أعادة التأهيل لاحتواء ما يمكن احتوائه ، ولا يمكن ان يتأتى ذلك الا عبر احتوائهم والقرب منهم وكثرة الحوار معهم ومناقشة مشاكلهم ورصد اوقات فراغهم واعطائهم جزء من المسؤولية المنزلية ليتدربوا ، حينها بإذن الله تعالى يمكن أن ينصلح الاعوجاج ، ويتجه مؤشر البوصلة الي الاتجاه السليم.