محمد بن سيف الرحبي
للمتابعة على التويتر: @Malrahby
يغدو الشعر متنفسنا حينما تحاصرنا الكآبات، كعادة الحياة، لا تحلو بدون هذه العثراث، فالطريق المستقيم ممل، والبهجة دائما حينما نصعد من منخفض (حزين) لنعلو تلّة (فرح) بما ينسينا المنخفضات حين تتكاثر التلال ولا نرى سواها.. ولا نتذكر، أو يفترض بنا أن لا نتذكر، متعلمين دروس النسيان، وما أجملها في الحياة.
آخر ما قرأته ديوان شعر جميل أهداني إياه صديق سعودي تعرفت عليه في معرض الكتاب الماضي، اختار وترجم مجموعة نصوص شعرية من العالم معنونة بـ «إنها تمطر.. وهذه قصيدتك يا حبيبتي».
تضمّن الديوان، على صغر حجمه، مقطوعات رائعة من هذا العالم حينما يكتب الشعراء أوجاعه، منهم أولئك المتمسكون بالأمل، ومنهم الذين يحيلون الألم إلى قصيدة جميلة، «خطيئتي هي الهدوء على وجهي/ بينما أحترق من الداخل» لـ «ميلسا بيرناردس» من أول النصوص «هل أطلب الكثير؟».
هي تقاسيم حروفية لمعاني الحب والجمال والوحدة والوحشة، لكن هناك من الشعر الذي يزرع التفاؤل رغم كل خيبات الحياة والكآبات التي يسببها البشر لبعضهم البعض:
بكل ثقة، أغلق الباب، على أمسي المؤلم، لقد تركت أحزاني/ وخيبات قلبي/ داخل جدرانها الكئيبة. ها أنا، أرمي المفتاح بعيدا، أبحث عن سماء أخرى، أزيّنها بالغيم والأمل، وأزهار الربيع. لن أسمح للأفكار المؤلمة/ أن تدخل سماء البهجة/ مرة أخرى.
وفي مقطع لشاعر اسمه يهودا عمهاي يترجم ثلاث قصائد عن الإنسان، مكتوبة بشفافية الحلم، حيث لا يفترض بالإنسان أن يتمسك بالوهم:
لا تثق بهذه الأمطار، خذ عني هذه الحكمة: ما كتبته في المطر ليلة أمس، حين عدت متأخرا، لا يختلف كثيرا عن ما أكتبه الآن. لا فرق، يمكن أن يسقط.
وهناك نص بعنوان الأخبار لديفيد هارمر: «لا أحب أخبار القتل، أحب أخبار المواليد» إلى أن يقول «أحب الأخبار/ التي تقدم الحياة/ بشكل أفضل من الأمس».
اختار المترجم من شعر الهايكو الياباني نصا جميلا يقول:
حياة الإنسان ليست سوى حلم/ أو حياة في بيت مهجور!/ بينما أصبحت الحديقة/ بيتا للفراشات.
وفي مقطع آخر:
في هذا العالم/ نمشي على الشوك/ لكنا لم نفقد الأمل/ لا زلنا نحدق في الزهور.
وعسى عزيزي القارئ أن أكون قد اخترت لك ما يحفز على يوم جميل يشرق من داخلنا قبل أن تشرق الشمس، ولا تغطيه الغيوم التي يلقيها الآخرون إلى سمائنا، حيث بإمكاننا أن نروي ذواتنا من مطر تسكبه أرواحنا بسلام.
والمقطع الأخير الذي يحمل عنوان الكتاب: «إنها تمطر، وهذه قصيدتك يا حبيبتي.. ولكن أين يمكن أن أتركها لك!»، حيث رحلت حبيبة الشاعر، واندسّ جسدها تحت القبر، ولم يبق له سوى أن يكتب لها.