نائب رئيس المحكمة العليا ل"الشبيبة": جلالة السلطان لا يتدخل في الأحكام القضائية

بلادنا الأحد ١٦/أغسطس/٢٠٢٠ ٢٣:١٧ م
نائب رئيس المحكمة العليا ل"الشبيبة": جلالة السلطان لا يتدخل في الأحكام القضائية

مسقط - حمدة البلوشية

أكد نائب رئيس المحكمة العليا أمين عام مجلس الشؤون الإدارية للقضاء فضيلة الدكتور خليفة بن محمد الحضرمي على استقلالية القضاء العماني مؤكداً في الوقت ذاته إلى أن جلالة السلطان المعظم لايتدخل في أحكام القضاء، فالقضاة محل ثقة تامة وتقدير من لدن جلالته - حفظه الله -مشيرا أن قانون السلطة القضائية والقوانين الإجرائية جميعها كقانون الإجراءات المدنية والتجارية، وقانون الإجراءات الجزائية حدد درجات التقاضي أمام المحاكم الابتدائية فالاستئناف ثم الطعن أمام المحكمة العليا فذلك يضمن صدور أحكام عادلة للجميع، وهذه الأحكام تصدر وفق محاكمات علنية يستطيع الجميع حضورها إلا ما استثنى القانون منها لوجه خاص وعلى سبيل الحصر، إلا أن صدور الأحكام يكون علنيا على مرأى ومسمع من الجميع.

وحول بعض الاتهامات التي تطال بعض المسؤولين على منصات التواصل الاجتماعي وكيف ينظر القانون لهذه الاتهامات، قال نائب رئيس المحكمة العليا ردا على أسئلة صحفية لـ "الشبيبة" أن منصات التواصل الاجتماعي ليست المكان المناسب لمثل تلك الاتهامات لأن هناك جهات مختصة لتلقي مثل ذلك كالادعاء العام مثلا وجهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة وشرطة عمان السلطانية كما أن إطلاق الاتهامات على أناس بتلك الصورة تنال من الاستقرار الاجتماعي للمجتمع وتعرض تبعا لذلك مرتكبها للمساءلة للأوصاف المنطبقة على التصرف، أكان سبا أو قذفا أو إهانة كرامة على النحو الذي أورده قانون الجزاء وبمقتضى ذلك يحال مرتكب الفعل للقضاء، مؤكداً: ولا أعتقد أن ذلك مما يدخل في حرية التعبير بل ذلك تعدى الحرية إلى الاعتداء على الآخرين.

وردا على سؤال حول ماينشر عبر منصات التواصل الاجتماعي عن قضايا لا يزال التحقيق جار فيها لدى جهات التحقيق وبخاصة تلك المتعلقة بالفساد المالي"وتأثير ذلك على سير القضايا ، قال فضيلته: ليس من سبب يدعو لنشر أخبار عن قضايا لا يزال التحقيق فيها جاريا أكانت متعلقة بجرائم فساد أو غيرها لأن المتهم برئ حتى تثبت إدانته بحكم نهائي متى ما كان التحقيق يتناول متهماً معينًا، إضافة إلى أن من شأن النشر التأثير على مجريات الأمور وقد يبعث على التضليل لأفكار الناس بالمجتمع.

اقرأ أيضاً: جنايات مسقط مدير عام الدخل بوزارة الماليه - الوزير لم يفي بوعده لي باعطائي 100 ألف ريال لتصحيح وضعي ولجأت لمصادر أخرى لزيادة دخلي

وأوضح قائلا: لذا نجد أن قانون الجزاء في المادة (249) قد نص صراحة أنه يعاقب كل من نشر بإحدى طرق العلانية دون إذن من الادعاء العام أو المحكمة المختصة بحسب الأحوال: أخبارا في شأن تحقيق قائم أو نشر وثيقة من وثائق هذا التحقيق، أخباراً في شأن الدعاوى التي نص القانون أو قررت المحكمة نظرها في جلسة سرية أو منعت نشرها، أسماء أو صور المتهمين أو المحكوم عليهم، أسماء أو صور المجني عليهم في جرائم الاعتداء على العرض.
كما أنه يعاقب بذات العقوبة كل من قام بمد أي من وسائل الإعلام المحلية أو الأجنبية بشيء مما ذكر في البنود السابقة.
وأضاف: ناهيك عن أن مثل هذا النشر قد يدخل في عداد الإخلال بالاحترام الواجب للقضاء كما أوضحت ذلك المادة (248) من قانون الجزاء "يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن (6) ستة أشهر، ولا تزيد على (3) ثلاث سنوات كل من أخل علانية بالاحترام الواجب للقضاء على نحو يشكك في نزاهته أو التزامه بأحكام القانون".

وحول مفهوم الحرية الذي كفله النظام الأساسي للدولة قال فضيلة د.خليفة الحضرمي: أن النظام الأساسي في الدولة نص على حقوق وحريات عامة فهو يعد لذلك التنصيص الضمانة الأولى لصيانة هذه الحقوق والحريات العامة إذ قيّد سلطة الدولة بهذه الحريات. مضيفاً: وضمانه ممارسة هذه الحقوق والحريات قد تحققت في السلطنة لعدة أمور منها توفر مستوى اقتصادي يكفل للمواطن معرفته في الدفاع عن حقوقه والمشاركة في الأمور المجتمعية المختلفة مما يمكنه إلى اللجوء إلى القضاء متى ما مست حقوقه وحرياته، و توفر قدر كبير من المعرفة والثقافة للمواطن نتيجة توفر مصادرها كما أن هناك التعليم المجاني بمختلف أنواعه ومراحله.

وحول إن كان هناك فرق بين حرية الرأي وحرية التعبير ، قال فضيلته: البعض يقول بأن كل حرية مختلفة عن الأخرى فحرية الرأي مسألة داخلية بالنفس البشرية أما حرية التعبير فهي مسألة خارجية يخرج الناس الرأي الكامن بالنفس البشرية إلى الخارج، مؤكداً : لكنني أرى أنها وجهين لعملة واحدة.
وأضاف: لذا حتى يكون هناك ممارسة لحرية التعبير عن الرأي عموماً فقد نظمت الدول تلك الحرية بقوانين محددة حتى تظل الممارسة لحرية التعبير في ظل ذلك القانون. فنجد أن النظام الأساسي للدولة ينص في المادة (29) منه على أن: "حرية الرأي والتعبير عنه بالقول والكتابة وسائر وسائل التعبير مكفولة في حدود القانون"، كما تطرقت المادة (30) إلى حرية المراسلات البريدية والبرقية والمخاطبات الهاتفية وغيرها من وسائل الاتصال مصونة وسريتها مكفولة فلا يجوز مراقبتها أو تفتيشها أو إفشاء سريتها أو تأخيرها أو مصادرتها ألا في الحالات التي يبينها القانون بالإجراءات المنصوص عليها فيه" . وأضاف: وجاءت المادة (31) منه تقول أيضا: "حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون ويحظر ما يؤدي إلى الفتنة أو يمس بأمن الدولة أو يسيء إلى كرامة الانسان وحقوقه"

وتحدث نائب رئيس المحكمة العليا ل"الشبيبة" عن الحدود التي تنتهي فيها حرية التعبير فقال "حرية التعبير يندرج تحتها العديد من الصور المختلفة للحريات: حرية العقيدة، حرية التجمع، حرية النشر، حرية التظاهر السلمي والتجمهر، حرية الصحافة والطباعة والنشر، حرية المراسلات والمخاطبات الهاتفية"موضحاً : إذا أخذنا أمثلة لحرية العقيدة، فلكل إنسان الحق في ممارسة شعائره الدينية داخل البلاد بالطرق المعتادة لذلك، فإذا ما تجاوزت ممارسة تلك الشعائر الدينية للطرق العادية فإنها تدخل بالمحظور وهنا تبدأ نهاية حرية التعبير في ممارسة هذه الشعيرة الدينية.

وأضاف: بمطالعة قانون الجزاء نجده قنّن الحدود لمثل تلك الممارسة: في المادة (269) تناولت بالعقاب كل من ارتكب أحد الأفعال: الآتية: التطاول على الذات الإلهية، أو الإساءة إليها، باللفظ أو الكتابة أو الرسم أو الإيماء، أو بأي وسيلة أخرى، الإساءة إلى القرآن الكريم أو تحريفه، أو تدنيسه، الإساءة إلى الدين الإسلامي أو إحدى شعائره، أو سب أحد الأديان السماوية،التطاول على أحد الأنبياء أو الإساءة إليه باللفظ أو الكتابة أو الرسم أو الإيماء، أو بأي طريقة أخرى، تخريب أو تدنيس مبان أو شيء من محتوياتها إذا كانت معدة لإقامة شعائر دينية للدين الإسلامي أو لأحد الأديان السماوية الأخرى، وأي نشاط إلحادي أو لا ديني أو نقد للدين أو المذهب، يعني التعرض لعقوبة سجن تبدأ من 3 سنوات وقد تصل إلى 10 سنوات، والمواد من 270 إلى 273 من قانون الجزاء تناولت كذلك عقوبات تتعلق بذات الشأن.
وأكد نائب رئيس المحكمة العليا أن ذلك يعني أن هناك حدوداً قررها القانون تنتهي عندها حرية التعبير، أما عن الحدود التي أشار إليها النظام الأساسي للدولة فهي القانون كما ورد بصريح القول "حرية الرأي والتعبير عنه بالقول والكتابة وسائر وسائل التعبير مكفولة في حدود القانون" و الحرية لم تكن مطلقة بلا قيد أو شرط فهي مضمونة بشرط مراعاة الواجبات التي أوردها القانون والتي تعد قيوداً تشريعية صريحة على الحرية.
وحول كيفية حماية الفرد لنفسه على منصات التواصل الاجتماعي من الوقوع تحت طائلة المساءلة القانونيــة، قال نائب رئيس المحكمة العليا : يجب على كل فرد في المجتمع أن يعرف القانون، فالقانون يوضح الحدود التي لا يجب أن يتعداها حتى لا يقع تحت المساءلة فلا يكون هناك أي عذر في عدم المعرفة انطلاقا من قاعدة قانونية معروفة لدى الكافة "لا يعذر أحد بجهله للقانون" .
وأضاف :منطق القول أن القانون يوضع بهدف تحقيق استقرار اجتماعي واقتصادي وسياسي داخل أي مجتمع وبمعنى آخر يراعى الثقافة الاجتماعية للأفراد، وهذه الثقافة تتضمن قيودا عدة: كرامة الأفراد وعدم الاعتداء على حرياتهم، حماية النظام العام داخل الدولة، عدم الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية بحجة إبداء الرأي وهذا ما يجب احترامه وتقديره بعدم المساس به تجنبا للمساءلة القانونية.

وحول الحدود التي وضعها القانون لحماية الإنسان من الوقوع تحت المساءلة في موضوع التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص، قال فضيلته: وسائل التواصل الاجتماعي لا تقف تحت حصر فهي متعددة بالوقت الراهن وقد تظهر وسائل أخرى معها مستقبلا فهناك التويتر، الانستجرام، الواتساب، الهاتف بأنواعه، الرسائل، الصحف، البرقيات هذه كلها وسائل للتواصل الاجتماعي بين أفراد المجتمع أكان داخل المجتمع المصغر وهو الدولة أو المجتمع الكبير وهو العالم المحيط من الدول الأخرى ، وعلى الأفراد المستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي مراعاة القانون و ذلك لا يعني أن استخدام مثل هذه الوسائل للتواصل الاجتماعي محفوفا بالمخاطر ولا يمكن أن نكره الناس على ذلك، فهذه الوسائل تحمل جوانب إيجابية نعمل بها وجوانب أخرى سلبية يجب أن نتقيها.
ودعا نائب رئيس المحكمة العليا فضيلة الدكتور خليفة بن محمد الحضرمي إلى العمل الجوانب المشرقة منها قائلاً: فلنعمل بالجوانب الإيجابية، فإذا كان هناك نقاشا وحوارا تستطيع وسائل التواصل الاجتماعي تحقيقه داخل المجتمع بين الدولة ومؤسساتها المدنية والأفراد فنعم شرط أن يتسم بسمات معينة تجنبا للوقوع في الخطأ محل المساءلة كأن يكون الحوار هادئا وعاقلا يتناول النقد والتحليل واقتراح الحلول دون أن يتعدى ذلك إلى السب والقذف في حق أي كان أو التحريض عليه بأي وسيلة ، حيث أن الحوار الهادئ والعاقل هو وسيلة لتفهم المشاكل والمشاركة في الحياة العامة لذا تكفل الدولة ذلك لأن فيه صلاح للمجتمع.
وأضاف: أن الجوانب السلبية فهي تجاوزنا لتلك الحرية في استعمال وسائل التواصل الاجتماعي بالسب والقذف والتحريض على العنف ومخالفة النظام العام في مثله ومبادئه وعاداته وتقاليده ونحو ذلك (مما أشار إليه قانون الجزاء وقانون المطبوعات والنشر وقانون مكافحة تقنية المعلومات وغيرها من القوانين) مما ينال من الاستقرار الاجتماعي داخل المجتمع بل ويزعزع الأمن فيه وهو ما يعاقبه القانون بمعنى يدخل الأفراد في المسؤولية الجنائية والمسؤولية المدنية أيضا. وينبغي على الإنسان أن يعرف المحظورات حتى لا يقع فيها فما عليه إلا الاطلاع على القوانين المنشورة فهي الكفيلة بتوضيح مثل ذلك .