محمد محمود عثمان
mohmeedosman@yahoo.com
تزداد المخاوف بشكل كبير من إنتهاء عصر النفط خاصة في المنطقة العربية لأن نقص الإيرادات النفطية يؤثر على ميزانيات الدول التي تعتمد على النفط كمورد أساسي للدخل في ظل عدم وجود البدائل ،وتفاقم الخسائر الاقتصادية الناتجة عن الركود القائم ، الذي أدى إلى انكماش في الاستثمار العالمي في الطاقة بنسبة 30% في عام 2020 خاصة بعد تأثيرات وباء كورونا والمخاوف من اندلاع الموجة الثانية من المرض وتأثير ذلك على الإمدادات النفطية وخروجها من تحت السيطرة خاصة أنه مع ضغط تراجع الطلب وتخمة المعروض في ظل كورونا ، هوت أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها في 20 عاما، كما حدث تراجع في الإنتاج والتصدير لكبار الدول النفطية على المستوى العربي والعالمي حتى أن بعض الدول قررت خفض إنتاجها إلى النصف ، كما قامت أحد أكبر منتجي النفط في العالم- بتخفيض الرواتب.
وفي إطار المخاوف المشروعة من أزمة النفط بعد أن وصل العجز المالي إلى أعلى مستوى في العالم - في بعض الدول العربية المصدرة للنفط إلى 40% من الناتج المحلي الإجمالي - فإن البعض بدأ يحاول جديا الحصول على قروض دولية ، لمواجة عجز ميزانياتها المالية ، بعد أن خفضت وكالات التصنيف الائتماني تصنيفها المالي وتحولت من مستقرة إلى سلبية،نتيجة إلى الاضطراب الحالي في أسواق النفط ، الذي لايعد سحابة صيف عابرة بل له تأيرات جوهرية ومستقبلية على الاقتصاديات ،وهو مؤشر خطير ومخيف مما قد يحدث في المستقبل، كمرحلة جديدة في مسلسل انخفاض الأسعار، وتزايد القدرة التنافسية غير المشروعة للمصدرين للحصول على عائدات غير مقننة ، وعلينا في ظل المخاوف المشروعة أن نتهيأ نفسيا لقيام الحكومات بإجراءات تتعلق بتخفيض النفقات وتخفيض الرواتب وفرض الرسوم وزيادة الضرائب لزيادة الموارد لخزينة الدولة ،إلى جانب الاقتراض، بعد استنزاف الكثير من الاحتياطات النقدية المخصصة لتمويل المشروعات و الإصلاحات ، وتآكل الاحتياطيات من العملات الأجنبية ، وهروب الاستثمارات ،لأننا في المنطقة العربية نعيش تحت هذه السحابة الرمادية بكل تفاصيلها بدون أن ندري متى تنقشع هذه السحابة التي قد تتحول من رمادية إلى سحابة سوداء أو قاتمة السواد ،وكان صندوق النقد الدولي قد توقع انكماشا للنمو في دول مجلس التعاون الست عام 2020 بـنحو 7.1 % في أدنى معدل له منذ أربعة عقود نتيجة تراجع أسعار النفط والجائحة المرضية،و أن تخسر دول الخليج نحو 200 بليون دولار من عائدات النفط هذا العام.
وتوجد توقعات سلبية من قبل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من أن الاقتصاد العالمي سيعاني من أكبر تراجع في النمو منذ الأزمة المالية في عام 2009، لأنه سوف تكون المخاوف اكثر شدة إذا تفشي المرض"لفترة أطول وأكثر كثافة"، لأن النمو العالمي سينخفض إلى 1.5 % في العام الحالي الذي يشهد تعليق أنشطة الشركات وتعثرالمصانع والتخلص من الأيد العاملة وزيادة الباحثين عن عمل ونقص فرص الوظائف الجديدة أو انعدامها ، وقد تكون الإجراءات الحكومية تلك غير كافية لوقف التراجع في النمو ، أو التخلص من آثاره، وهذا يفرض على البنوك المركزية اتخاذ إجراءات سريعة لخفض أسعار الفائدة لتقليل تكلفة الاقتراض، الأمر الذي يشجع على زيادة الإنفاق، و تعزيزالوضع الاقتصادي، خاصة أن بعض التقارير تؤكد أن العجز التراكمي لموازنات دول الخليج يقترب من 180 مليار دولار في العام الجاري ،وإن ذلك العجز سيصل إلى 490 بليون دولار في السنوات الأربع المقبلة ،مع ارتفاع إجمالي الدين الحكومي إلى حجم قياسي، بنحو 100 بليون دولار في عام 2020 ، والمخاوف الحقيقة الأخرى تكمن في احتمالات التدهور في موازنات بعض الدول حتى عام 2023 ،التي ستجد نفسها في أزمة حقيقة في محاولة تدبيراحتياجات التمويل الحكومي المتزايدة على الرغم من توافر مخزون نفطي هائل وقدرة تصديرية معطلة لتراجع الطلب ، وسوف ينعكس ذلك على الدول العربية غير النفطية ،التي تعتمد منذ سنوات على تصدير الأيد العاملة للدول النفطية ، نظرا لتقليص عدد العمالة والاستغناء عنها ، وبالتالي نقص التحويلات المالية من الخارج ،إلى جانب النقص الحاد في الموارد السياحية ، وتأثر أرباح البنوك ،والشلل التام الذي أصاب قطاعات كبيرة في القطاع الخاص،ومن هنا علينا أن نستعد لسيناريو سعر نفط "منخفض لفترة أطول، واعتقد أنه من الصعب وإن كان ليس مستحيلا أن نشهد "نهاية عصر النفط" الذي إن حدث سيصيبنا جميع في مقتل، ومن الضروري أن نفكر جيدا للدخول في عصر تعدد مصادر الدخل.