بقلم: محمد بن رامس الرواس
[حدث عام 1835م أن جنحت السفينة الاميركية " بيكون " عند جزيرة مصيرة فسارع السيد سعيد بن سلطان بإصدار اوامره الي السفينة سلطانة بالتحرك فوراً لتهب لإنقاذ السفينة الاميركية بيكون...]
رفع موظف بميناء نيويورك راسه في الصباح الباكر ناظراً باتجاه المرفأ بتاريخ 30 ابريل يوم الخميس من العام 1840م فقد كانت هناك سفينة متميزة تشبه في جمالها السفن الاوربية بطابعها الفريد تدخل ميناءمدينة نيويورك البهية الزاهرةالمليئة بالحركة والنشاط والتي كان يبلغحينها عدد سكانها 320 الف نسمة تقريبا.
دخلت السفينة سلطانة مرفأ نيويورك يقودها مرشد ملاحي ووصلت الى خليج الميناء حيث القت مراسيها وتوقفت بانتظار الإجراءات الرسمية المتبعة، كانت السفينة سلطانة قد ارسلها السيد سعيد بن سلطان الي الولايات المتحدة الاميركية من زنجبار مكلفاسكرتيره أحمد بن النعمان الكعبي بمهمة مبعوث خاص له الي الرئيس الاميركي "مارتن فان يورين "
رست السفينة سلطانة في الميناء وعليها الراية القرمزية الزاهية ونزل منها السفير أحمد بن النعمان ذو اللحية الطويلة والبشرة القمحية صاحب النظرات الحادة، بمشيته ومحياه تلوح الهيبة والشموخ، يرتدي عمامة زاهية الألوان ويلف وسطه بقماش كشميري، ويلبس قميص أبيض عليه قفطان جميل أسود، مطرزاً بخيوط ذهبية يتبعه بعض طاقم السفينة في مظهر كله مهابة واحترام، ولشدة ما ادهش مستقبلوه انه كان يجيد التحدث باللغة الانجليزية وبوضوح وطلاقة.
كانت السفينة سلطانة احد السفن الخاصة للسيد سعيد بن سلطان، وهي الاحدث والاسرع في الاسطول العماني العظيم، مزودة بأشرعة غاية في الروعة، وكانت قد قطعت في رحلتها المحيط الاطلسي من زنجبار بكل جسارة وعنفوان وتخطت بأشرعتها المنشورة العقبات والصعاب التي واجهتها في واحدة من اعظم الرحلات التاريخية، وكانت السفينة سلطانة قد بنيت في بمباي بالهند بناء على طلب السيد سعيد بطابع أوربي وكان جسمها مصنوع من خشب التك والساج، وتبلغ حمولتها 305طن وبرغم أنها سفينة حربية الا انها لم تحمل سوى أربعة مدافع على متنها حيث كانت فى مهمة سلام وصداقة وتجارة.
بمجرد أن شاع وصول السفينة سلطانة مدينة نيويورك حتى اندفع الكثير من سكان المدينة الى رصيف الميناء ليشاهدوا السفينة العربية وقائدها وطاقمها الغرباء الغير مألوفة وجوههم لديهم، فقد كانت أول سفينة عربية تحمل بعثة رسمية تصل الي شواطئ الولايات المتحدة للزيارة والتجارة ولقد أهتمت الصحافة بالخبر وافردت صحيفة " نيويورك برس" وصحيفة "الهيرالد " صفحات للحديث عن السيد سعيد وسلطت الضوء على شخصيته، كما تحدثتا عن زيارة السفينة سلطانه ووصفاتها بانها حملت أول اتصال عربي للولايات المتحدة.
استقبلوا أعضاء المجلس البلدي بمدينة نيويورك أحمد بن النعمان ومن معه من أول يوم نزلوا فيه بالتكريم والحفاوة، كما استقبلهم عمدة نيويورك فريدريك ليزر وتم الاحتفاء بهم واكرامهم ووضع لهم جدول زيارة للعديد من المعالم بالمدينة، ولقد قام أحمد بن النعمان أثناء تواجدهبمهمتين، الأولي مهمة رسمية مبعوث بها من السيد سعيد بن سلطان للرئيس الاميركي (فان يورين) وهي عبارة عن رسالتين مؤرختين في 25 ديسمبر 1839م ومجموعة هدايا تحملان مشاعر الصداقة والمحبة للرئيس والشعب الأميركي وتم استلامهما عبر القنوات الرسمية والدبلوماسية، هذا بالإضافة الي قيامه بالأشراف على عملية التبادل التجاري عبر بيع وشراء سلع مختلفة بمدينة نيويورك.
قبل مغادرة السفينة سلطانة نيويورك وبالتحديد بتاريخ 8 مايو سلم سكرتير الدولة بالولايات المتحدة خطاب من الرئيس الاميركي كان مفادها " لقد كان من دواعي السرور والرضى ان يقوم بين عمان والولايات المتحدة ما نوده دائما من صلات مفيدة في مجالات متعددة " كما أمر الرئيس الاميركي بمجموعة من الهدايا كان بينها اسلحة نقش عليها " هدية من رئيس الولايات المتحدة الي امام مسقط " كتبت باللغة العربية، هذا بالإضافة الي هدايا اخرى متنوعة للسيد سعيد.
ولقد اضاف الرئيس الاميركي قائلاً " إن وصول سفينة تحمل علم سلطانكم ودخولها ميناء نيويورك لشاهد على الرغبة في إقامة العلاقات التي نود أن تستمر بين بلدينا وتدوم ".
بعد أعادة اصلاح تأهيل السفينة سلطانة الذي قامت به الحكومة الاميركية وبعد مرور شهر ونيف تم توديع طاقم السفينة قبل رحلة العودةمن العام 1840م وحدث حين خروجها أن قابلت السفينة سلطانة السفينة"جريت وسترن" مفخرة الاسطول الاميركي فتبادلتا التحية عبر الصفارات وشقت بعدها سلطانة عباب المحيط الاطلسي الي زنجبار قافلة.