المركز الثقافي الإسلامي بالجزائر منارة فكرية

مزاج الثلاثاء ١٢/أبريل/٢٠١٦ ٠٠:٤٨ ص
المركز الثقافي الإسلامي بالجزائر منارة فكرية

الجزائر -العمانية

خاض الجزائري مولود قاسم نايت بلقاسم، المثقف والوزير الأسبق في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، معركة شرسة من أجل الحصول على المقر الحالي الواقع بشارع علي منجلي لتحويله إلى مركز ثقافي إسلامي بتاريخ 12 مارس 1972.
هذا المركز تابعٌ إدارياً منذ تأسيسه لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، ويقوم بمهام على رأسها نشر الثقافة الإسلامية وإحياء التراث الإسلامي.
وتؤكد إحدى الروايات، أنّ المركز كان ديراً تابعاً للكنيسة المجاورة له طيلة الاستعمار الفرنسي للجزائر، والتي تحوّلت اليوم إلى مسجد يحمل اسم العلّامة الشيخ عبد الحميد بن باديس، في حين تؤكد رواية ثانية أنّ المركز كان محلاً لبيع الآلات الموسيقية، الأمر الذي تنفيه رواية ثالثة يزعم أصحابها، أنّ المركز عُرف، تحت الحكم الاستعماري الفرنسي للجزائر، كمحل لصنع الجلود ودباغتها وبيعها.
يضمُّ المركز قاعة محاضرات، وقاعة للمطالعة، ومكتبة تحتوي على 20 ألف عنوان، إضافة إلى مكاتب إدارية، وله فروعٌ تنتشر في معظم ولايات الجمهورية، وتضطلع بالمهام نفسها التي يقوم بتأديتها المركز الرئيسيُّ بالجزائر العاصمة.
دأب المركز منذ تأسيسه على تنظيم المحاضرات والندوات الفكرية وعرض الأفلام السينمائية والأشرطة العلمية التي عادة ما تُتبع بالمناقشات، وما تزال كاميرا 35 ملم تقف شاهدة ببهو المركز على تلك السنوات الذهبية التي شكّل فيها نقطة إشعاع ثقافي وفكري.
ومع أنّ المرسوم المؤسّس للمركز تمّ التوقيع عليه سنة 1972، إلاّ أنّه ظلّ لمدة سنة كاملة يعقد نشاطاته بقصر حسن باشا بجوار مسجد كتشاوة.
وفي الفترة ما بين 1973 و1991، شهد المركز أزهى أيامه عندما تحوّل إلى قبلة يؤمُّها العلماء والمثقفون من مختلف التيارات الفكرية ومن البلاد الإسلامية شتى، حيث حاضر فيه مالك بن نبي، صاحب المؤلفات المهمة في الحضارة وشروطها، وكارل بروكلمان، وعبد الرزاق السنهوري، ورجاء غارودي، ومحمد الغزالي، وسعيد رمضان البوطي، ويوسف القرضاوي، وأحمد توفيق المدني، والطاهر بن عائشة، وأبو القاسم سعد الله، وتركي رابح عمامرة، وغيرهم كثير.
ويذكر جيل السبعينات من المثقفين الجزائريين، أنّ الشيخ محمد الغزالي قدّم محاضرة سنة 1981 بعنوان "الدعوة والداعي"، اكتظّت فيها القاعة عن آخرها، بل وقف الناس في الشارع لمتابعتها.
وكان من بين النقاشات الساخنة أيضاً، تلك التي أثارها د.يحيى بوعزيز، رحمه الله، وكان يحضّر لشهادة الدكتوراه حول ثورة المقراني والحداد، وناقشه في بعض ما ذهب إليه بعض الحضور، خاصة لمّا تعرّض لمقاومة الأمير عبد القادر.
كما كانت للدكتور أبو القاسم سعد الله صولاتٌ وجولاتٌ من خلال المركز الثقافي الإسلامي، خاصة ما أثارته المحاضرة التي قدّمها تحت عنوان "الخائفون من التاريخ" بسبب ما تبعها من نقاش وجدل حول هذا الموضوع.
وفي المرحلة الزمنية نفسها، قدّم الطاهر بن عائشة محاضرة مثيرة للجدل حول موضوع "اليسار واليمين في الإسلام"، وهي المحاضرة التي أكّد بشأنها بن عائشة في عدد من حواراته، أنّ النقاش بخصوصها استمرَّ لمدة ثلاثة أيام متتالية.
وشهدت قاعة المحاضرات بالمركز الثقافي الإسلامي أيضاً مناظرة فقهية ساخنة بين الشيخ مبروك العوادي، وهو من أهمّ مُمثلي المذهب الظاهري (ابن حزم)، والشيخ أحمد حمّاني، رحمه الله، وحضر هذا النقاش الساخن مولود قاسم نايت بلقاسم، ومجموعة كبيرة من أعضاء المجلس الإسلامي الأعلى.
ولعلّ أحمد توفيق المدني كان من أهمّ من تعرّضوا للنقد تحت سقف المركز الثقافي الإسلامي حين تمّت مناقشة الجزء الثاني من كتابه "حياة كفاح" الذي تعرّض فيه لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، واتُّهم المدني يومها بأنّه سرق بعض المقالات التي كتبها الشيخ عبد الحميد بن باديس ونسبها إلى نفسه.
لم تكن قاعات المركز الثقافي الإسلامي على مدار ما يقارب ثلاثين سنة تهدأ، إلى أن حلّت تسعينات القرن الماضي، وهي السنوات التي مرّت فيها الجزائر بمرحلة دموية سُمّيت فيما بعد "العشرية السوداء" أو "الحمراء"، كان فيها المركز شبه مغلق وصارت نشاطاته قليلة بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة.
وتنوي إدارة المركز بقيادة د.عمر بافولولو، استعادة الوجه المشرق للمركز باعتباره نقطة إشعاع فكري، حيث تجري حالياً أشغال إعادة تهيئة قاعاته وترميمها، كما سيُزوّد المركز بالإنترنت، وستحظى مكتبته بالعناية المطلوبة من خلال تزويدها بعناوين جديدة، ومن المأمول أن تعود قاعة محاضراته إلى سابق مجدها لتحتضن من جديد النقاشات العلمية والفكرية، لتكون بذلك قاطرة لإحياء التراث الإسلامي ونشر ثقافته، وهي المهام التي شكّلت خريطة طريق هذه المؤسسة منذ تأسيسها.