"التطرف ومريدوه الغرباء"

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٣/أبريل/٢٠١٦ ٠٠:٢٥ ص
"التطرف ومريدوه الغرباء"

دييجو جامبيتا
ستيفن هيرتوج

في أيامنا هذه، نربط بين سياسات اليمين المتطرف والإسلاموفوبيا المسعورة. ولكن هذه لم تكن الحال دوما. الواقع أن العلاقة بين اليمين المتطرف، وخاصة في أوروبا، وتطرف الإسلام السياسي عميقة
الجذور، ويشترك أتباع الفريقين في بعض السِمات المهمة.
وكانت أشكال الارتباط هذه واضحة. فكان أمين الحسيني، مفتي القدس في الفترة من 1921 إلى 1937 حريصا على الحفاظ على علاقات وثيقة مع الأنظمة الحاكمة في إيطاليا وألمانيا. وقد وجد العديد من النازيين الملاذ والمأوى في الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية، حتى أن بعضهم اعتنقوا الإسلام. وكان يوليوس إيفولا، المفكر الإيطالي الرجعي الذي ألهمت أعماله اليمين المتطرف في أوروبا بعد الحرب، يُعرِب صراحة عن إعجابه بمفهوم الجهاد وما يتطلبه من تضحية بالنفس.
وبعد الهجمات الإرهابية التي شهدتها الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، احتفل النازيون الجدد في كل من الولايات المتحدة وأوروبا بالهجمات. وقال مسؤول في التحالف الوطني (جماعة النازيين الجدد الرئيسية في أميركا) إنه يتمنى لو كان أعضاء جماعته "يتمتعون بنصف هذا القدر من الشجاعة الذكورية". وفي فرنسا، أقيمت الاحتفالات بالهجمات في مقر حزب الجبهة الوطنية، وأحرق النازيون الجدد في ألمانيا أعلام الولايات المتحدة. وكان أحد أسباب حظر الحركة الإسلامية "حزب التحرير" في ألمانيا عام 2003 اتصالاتها باليمين المتطرف.
كان وجود العدو المشترك ــ اليهود، وحكومة الولايات المتحدة، و"النظام العالمي الجديد" المزعوم ــ داعما لهذا التحالف غير المقدس سياسيا. ولكن الدراسة الأكثر تعمقا لمكونات هذا التحالف الإيديولوجية والنفسية تكشف عن صلات أعمق.
فعلى النقيض من الليبراليين واليسار، يروج المنظرون الإيديولوجيون اليمينيون والإسلاميون لرؤية سلطوية هرمية وشعائرية غالبا للنظام الاجتماعي والحياة اليومية. وهم يَعِدون بتطهير المجتمع من الفساد الذي يعزل الناس عن ماضيهم المجيد. ويعتقدون أن "تفوقهم" العنصري أو الديني يبرر إخضاع الآخرين، بل وحتى استعبادهم.
وكما يقول المتخصصون في علم النفس السياسي، تأتي وجهات نظر المحافظين واليمينيين مصحوبة بميل إلى الشعور بالاشمئزاز بسهولة، و"الحاجة إلى نتيجة حاسمة" (تفضيل النظام، والبنية، واليقين)، والتوصيف الحاد لمن ينتمون إلى "مجموعة الداخل" ومن ينتمون إلى "مجموعات الخارج". وفي حين يركز مثل هذا البحث على الأفراد السلميين، فهناك من الأدلة ما يشير إلى أن المتطرفين اليمينيين والإسلاميين يحملون أيضاً نفس السمات الشخصية.
ولنبدأ هنا بالإسلاميين. من المعروف عن العديد من العناصر الجهادية هوسهم بالنظافة. فكان فيصل شاهزاد، الذي زرع القنابل في ساحة تايمز سكوير في مدينة نيويورك، يولي عناية فائقة بشقته في بريدجبورت بولاية كونيتيكت، قبل أن يغادر لتنفيذ مهمته التفجيرية الفاشلة. كما ترك محمد عطا، كبير خاطفي الطائرات في الحادي عشر من سبتمبر، تعليمات خاصة بدفنه، طالباً عدم اقتراب أي امرأة من جسده وأن لا يلمس الرجال الذين يُغَسِّلونه أعضاءه التناسلية إلا وهم يضعون قفازات.
يبني الجهاديون السلفيون حياتهم وفقاً لقراءة حرفية للنصوص الإسلامية ــ وهي طريقة بسيطة لإرضاء "حاجتهم إلى نتيجة حاسمة". أما عن هوسهم بتحديد "جماعة الداخل"، فهناك عقيدة الولاء والبراء، وهي العقيدة الأساسية التي تأمر المؤمنين بفك أي ارتباط بينهم وبين غير المؤمنين، بما في ذلك المسلمين غير الأنقياء.
تمتد الحاجة إلى اليقين إلى ما هو أبعد من الدين. فكما نستكشف في كتابنا "مهندسو الجهاد"، كانت حصة غير متناسبة من المتطرفين الإسلاميين منذ سبعينيات القرن العشرين يسعون إلى الالتحاق بمجالات تقنية مُحكَمة وتجنب المواضيع الدراسية والبحثية الأكثر مرونة التي تعرض قدرا أقل من الإجابات الواضحة. فكان كل من شاهزاد، وعمر فاروق عبد المطلب الذي عُرِف بلقب "مفجر الملابس الداخلية" والذي حاول تفجير مفرقعات على متن طائرة ركاب عام 2009، من دارسي الهندسة. ومن الأفراد الخمسة والعشرين الضالعين بشكل مباشر في هجمات الحادي عشر من سبتمبر، كان ثمانية من المهندسين، وبينهم الزعيمان عطا وخالد شيخ محمد.
ولإثبات ما إذا كان النمط منتظما ومستمرا، قمنا بفحص تعليم أكثر من 4000 متطرف من جميع المشارب في مختلف أنحاء العالم. وقد وجدنا أن عدد المهندسين بين المتطرفين الإسلاميين الذين ولِدوا وتعلموا في دول إسلامية أكبر بنحو سبعة عشر ضعفا مقارنة بعددهم بين عموم السكان؛ ونسبة خريجي الجامعات بين المتطرفين أكبر بنحو أربعة أضعاف.
في العالم الإسلامي، يميل عدد أكبر من المهندسين إلى الانضمام إلى الجماعات المتطرفة في البلدان حيث تقوض الأزمة الاقتصادية فرص العمل المتاحة للنخبة من الخريجين. وهم أكثر ميلا بشكل خاص إلى الانضمام لهذه الجماعات عند بداية مثل هذه الأزمات. وبين كل خريجي الجامعات، يبدو المهندسون (والأطباء بدرجة أقل) هم الأكثر شعوراً بالإحباط إزاء الافتقار إلى الفرص، وربما يعكس هذا القدر المطلوب من الطموح والتضحية لاكتساب مثل هذه الدرجة الرفيعة المستوى.
ولكن هذه ليست القصة كلها. فالمهندسون يشكلون أيضا حصة غير متناسبة من المتطرفين الإسلاميين الذين نشأوا في الغرب، حيث فرص العمل أكثر. وهم أيضا أقل ميلا من الخريجين الآخرين للانشقاق والتخلي عن المذهب الإسلامي العنيف.
ومن الأهمية بمكان أن نعلم أن الإسلاميين المتطرفين ليسوا المجموعة الوحيدة التي تضم حصة غير متناسبة من المهندسين. فبين اليمينيين المتطرفين الحاصلين على تعليم جامعي، سنجد أن المهندسين ممثلون بنفس القدر المفرط. ومن ناحية أخرى، يكاد لا يوجد أي مهندسين بين جماعات اليسار المتطرف، والتي تميل في الأرجح إلى اجتذاب خريجي العلوم الإنسانية والاجتماعية.
وبتحليل بيانات دراسة استطلاعية شارك فيها 1100 من الخريجين الذكور من 17 دولة أوروبية، وجدنا أن المهندسين إلى جانب تمثيلهم في اليمين السياسي يسجلون في المتوسط بقوة أكبر من غيرهم من الخريجين على كل المقاييس المرتبطة بالميل إلى الاشمئزاز، والحاجة إلى النتيجة الحاسمة، والتفضيل القوي للانتماء إلى مجموعة. وهذه السمات أضعف كثيراً بين خريجي العلوم الإنسانية والاجتماعية.
ونفس السمات أضعف أيضاً بين النساء، اللاتي يتواجدن بقوة على اليسار المتطرف، في حين يكدن يغبن تماما بين الإسلاميين المتطرفين والمتطرفين اليمينيين. وتكاد علاقة الارتباط بين السمات النفسية والتخصصات الأكاديمية والتواجد في الجماعات المتطرفة المختلفة تكون كاملة.
بطبيعة الحال، لن يتحول أغلب الناس الذين يدرسون الهندسة أو يفضلون النظام بشدة إلى متطرفين، وهذا يعني أن هذه العوامل لا يمكن استخدامها بفعالية في التنميط. ولكن مثل هذه النظرة الثاقبة في نفسية التطرف تظل تشكل أهمية واضحة. إذ يوظف الغرب والعديد من الحكومات العربية المئات من الناس لإثناء الميالين منهم إلى التطرف عن الانزلاق إلى هذا الدرب، ولكن من دون الاستعانة بفهم واضح للاحتياجات النفسية التي تشبعها هذه الإيديولوجيات. ويظل المزيد من البحث مطلوبا، ولكن اكتساب مثل هذا الفهم من الممكن أن يساعد في الكشف عن سبل أفضل لتلبية هذه الاحتياجات قبل أو بعد حدوث التطرف.

دييجو جامبيتا :أستاذ النظرية الاجتماعية في معهد الجامعة الأوروبية.
ستيفن هيرتوج: أستاذ السياسة المقارنة في كلية لندن للاقتصاد.