مسقط - الشبيبة
السيدة سالمة بنت السيد سعيد بن سلطان في كاتبها مذكرات أميرة عربية تروي بعض التفاصيل المتعلقة بيوم العيد في حياة والدها السيد سعيد بن سلطان - سلطان عمان وزنجبار-
تقول السيدة سالمة :
" في صباح العيد ينهض الجميع في الساعة الرابعة ويبدأون بتسابيح الشكر لله تعالى على ما حباهم من نعمة الصوم وعلى كل ما اسبغ عليهم من خير أو امتحنهم به من بلاء . وبعد إنتهاء هذا الابتهال تسرع النسوة المتبرجات في بيتنا إلى الشرفة الكبيرة لعرض زينتهن للآخرين فترى هناك عرضاً للأزياء الشرقية والجمال العالمي. الألوان المفضلة لثياب النساء هي الألوان الزاهية والبراقة وقد لا تستسيغ المرأة الأوروبية الزي العربي بألوانه الصارخة كأن ترى الفستان الحريري الأحمر الطويل المخيط بخيوط الذهب والفضة وتحته السروال الحريري الأخضر ، وهذا نفس ما حصل لي عندما شاهدت الأوربيات أول مرة يلبسن الألوان الغامقة وبلاثمن بينها . وقد بقيت مدة طويلة قبل أن أقنع نفسي بقبول هذا الزي الأنيق .
وفي الساعة السادسة تنطلق طلقة مدفع أخرى وتبدأ تحيات العيد ... فكل باخرة حربية أجنبية تصل الميناء تطلق واحداً وعشرين طلقة وكل عربي يشارك ويعلن عن فرحه بإطلاق الرصاص الحي ليخيل للغريب الداخل إلى المدينة أنها في حالة حرب وبعد ساعة تمتلأ المساجد بالمصلين حتى تضيق بهم وتمتد خارجها صفوف غفيرة من المصلين. وعلى هذا دأب أبي السيد سعيد فقد كان يذهب وأبناؤه وحاشيته الكبيرة إلى المسجد لأداء الصلاة وتطلق المدافع طلقاتها بانتهاء الصلاة وبعد ذلك يبقى كل شخص حرا ليملأ جوفه بأنواع الشراب والحلويات تعويضاً عما فاته منها في الثلاثين يوما السالفة وكنا نحن النساء ننتظر السلطان في جناحه الخاص عند عودته من الصلاة فإذا دخل المكان نهضنا جميعا واقفات ثم تقدمنا واحدة بعد الأخرى نقبل يده ونلقي إليه بتحية العيد . وأيدي الرجال والنساء من ذوي الجاه والمقام تتعرض في مثل هذه المناسبات لوابل من القبل ولذلك فهي تغسل بين الحين والآخر بالماء والعطور . والنساء يقبلن صديقاتهن في الخدود.
وفي تنفتح خزائن أبي ليفرق منها هداياه الكثيرة والنفيسة علينا . ويصطحب معه أختي خولة والرئيس جوهر إلى غرفة الكنوز التي تحتوي على أروع التحف وأنفسها مما دق صنعه وغلا ثمنه ومن كل شكل ونوع من المصنوعات الذهبية إلى اللولو وألماس والمرجان ومن الخلاخل والأساور إلى القلائد والتيجان والاقراط ومن النقود الذهبية والفضية لكل الدول الأوروبية علاوة عما تحويه من فاخر القماش و فاخر العطور و كل ما يخطر على البال.
وكان ذهاب اختي خولة مع ابيها امتیازاً خص السلطان به أمها أولاً ثم انتقل إلى خولة هو برهان على ما تتمتع به نجمة الصبح من مقام وحظوة عند أبيها السلطان ، وإن كانت حظواتها من الظهور بحيث لا تحتاج إلى برهان جديد. لكن هذا الامتياز كان بسبب لخولة الكثير من الإزعاج ويثير عليها موجات الحقد والسخط دون أن يعود عليها بأي نفع. كانت تعلم بهذا كله ولا تستطيع له دفعاً وكانت تدعي أنها مكرهة على هذا العمل ولا تستطيع أن ترفض أمر أبيها السلطان ولكنها كانت تسر الي بغبطتها وافتخارها بهذا الامتياز ... وحق لها ذلك.
ومن المستحيل على أبي أن يعرف ما عند كل واحدة من نسائه وبناته ونساء ابنائه من الحلي والمجوهرات ليهديها غيره أو ما ترغب في الحصول عليه لذلك فقد كان يستطلع الامر مقدما بطرق خفية ويستعين بخولة أن تدله أو تذكره بما يجب أن يقدم لكل واحدة منا. وتنقل الهدايا إلى الصالون وقد كتب عليها اسم المهداة إليها ويقوم جوهر بالتوزيع وقد تتقدم له احدى السيدات بطلب تبدیل هديتها وكان يتقبل ذلك راضياً سعيدا . ولم تكن هدايا أبي مقصورة على أفراد البيت السلطاني من رجال ونساء في بيت الموتني وبيت الساحل بل كان ملزماً أيضا أن يهدي جميع الرؤساء العرب والافارقة الموجودين في زنجبار وكل القادمين إليه من عمان طمعاً في نيله وعطائه و كذلك جميع حرسه وجنوده وموظفيه وربابنة سفنه وملاحيها ونظار مزارعه الخمس والأربعين و إلى كل عبيده البالغ عددهم حوالي الثماني آلاف عبد . لذلك فاني لأعجب الآن كيف لا تنضب خزائن أبي نتيجة هذا البذل والعطاء وما سبب ذلك على ما أعتقد إلا أن أبي كان مديراً ناجحاً وتاجرا ً ماهراً"