أوروبا تعشق الرنمينبي

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٣/أبريل/٢٠١٦ ٠٠:٠٠ ص
أوروبا تعشق الرنمينبي

نيكولا كاساريني

روما ــ يبدو أن الصينيين يفقدون الآن الثقة في عملتهم. ففي مواجهة النمو الاقتصادي المتعثر، قرر بنك الشعب الصيني تصعيد الجهود لإعادة عملة الرنمينبي إلى الاستقرار، وذلك باستخدام الاحتياطيات الهائلة من النقد الأجنبي لدعم سعر صرفه ووقف تدفق الأموال الفارة من البلاد. وقد ذكر محافظ بنك الشعب الصيني تشو شياو تشوان مرارا وتكرارا أنه لا يوجد أساس لاستمرار خفض القيمة، ولكن يبدو أن قِلة في البلاد هم من ينصتون إليه. ففي الربع الأخير من عام 2015 وحده، بلغ صافي تدفق رأس المال إلى الخارج نحو 367 مليار دولار أميركي.
ورغم هذا، لم يمنع انهيار الثقة داخل الصين الغرب ــ وأوروبا بشكل خاص ــ من التكالب على الرنمينبي. عندما أعلن صندوق النقد الدولي في ديسمبر أن الرنمينبي سينضم إلى الدولار الأميركي، والجنيه الإسترليني، واليورو، والين الياباني في سلة العملات التي تؤسس لوحدته الحسابية، حقوق السحب الخاصة، كان القرار سياسياً بوضوح.
قد يزعم قليلون أن الرنمينبي يلبي معايير صندوق النقد الدولي اللازمة لضمه إلى سلة عملات حقوق السحب الخاصة. فهو ليس قابل للتحويل بحرية، والقدرة على الوصول إليه محدودة سواء داخل أو خارج الصين. تعرض بعض الفروع الأجنبية للبنوك الصينية حسابات ودائع مقومة بالرنمينبي، ويستطيع المستثمرون المؤهلون شراء أدوات الدين المربوطة بالعملة في البر الرئيسي للصين. ولكن الحجم مقيد.
من المؤكد أن أداء الرنمينبي طيب في الإحصاءات المتعلقة بالتجارة. فوفقا للشبكة المالية سويفت، يُعَد الرنمينبي ثاني أكثر العملات استخداما في مجال التمويل التجاري، بعد أن تجاوز اليورو. كما يأتي في المرتبة الخامسة في مجال المدفوعات الدولية. ولكن هذه الأرقام مضخمة بفِعل المعاملات مع هونج كونج، والتي تمثل نحو 70% من مدفوعات التجارة الدولية المقومة بعملة الرنمينبي. وقِلة قليلة للغاية من العقود يتم إبرامها بعملة الرنمينبي؛ ويظل الدولار الملك في عالم الفواتير، في حين يأتي اليورو في المرتبة الثانية بفارق كبير. وحتى حصص الين الياباني والجنيه الإسترليني لا تزال برغم كونها صغيرة للغاية أعلى من حصة الرنمينبي.
يرجع القرار الذي اتخذه صندوق النقد الدولي بإضافة العملة الصينية إلى سلة حقوق السحب الخاصة إلى حد كبير إلى القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة بترك الأمر لأوروبا. فقد أكَّدَت الولايات المتحدة لسنوات أن الرنمينبي لا يجب أن يضم إلى سلة حقوق السحب الخاصة إلا إذا فتحت الصين حساب راس المال، وسمحت لعملتها بالطفو بحرية، وأعطت بنكها المركزي المزيد من الاستقلال. ولم يحدث أي من هذا.
ولكن بعد تأسيس الصين للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية بدعم من أوروبا، وافقت الولايات المتحدة على إسقاط اعتراضاتها. ففي نهاية المطاف، لا تعلب سلة حقوق السحب الخاصة دوراً كبيراً في التمويل العالمي، وكان السماح بإدراج الرنمينبي ثمناً قليلاً للإبقاء على الصين جزءا أساسيا من مؤسسات بريتون وودز.
بيد أن استثمار أوروبا في الرنمينبي يذهب إلى ما هو أبعد كثيرا من الرمزية السياسية. كان زعماء القارة من أقوى مؤيدي تدويل الرنمينبي وجهود المسؤولين من ذوي التوجهات الإصلاحية مثل تشو. وكان المأمول أن يؤدي إدراج عملة الصين في سلة حقوق السحب الخاصة إلى تشجيعها على تحرير حساب رأس المال بشكل أكبر.
وتعمل الحكومات الأوروبية والبنوك المركزية أيضا بنشاط لجعل الرنمينبي عملة احتياطية قابلة للحياة، بهدف زيادة التجارة مع الصين. وقد أوضح وزير الخزانة البريطاني جورج أوزبورن أنه يود لو تكون مدينة لندن السوق الأكثر أهمية في الخارج للتجارة والخدمات بعملة الرنمينبي. ولم يكن من قبيل المصادفة أن تختار الصين لندن، أثناء الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس شي جين بينج إلى المملكة المتحدة في أكتوبر 2015، موقعاً لإصدار أول دين سيادي بعملة الرنمينبي في الخارج.
ولا تقل بقية أوروبا حماسا. فاليوم، أصبحت القارة موطنا لأكبر عدد من المقاصات المصرفية بعملة الرنمينبي. وقد نشأت مراكز الرنمينبي في الخارج في فرانكفورت وباريس وميلانو ولوكسمبورج وبراج وزيوريخ، كما أضافت أغلب البنوك المركزية في أوروبا ــ أو تفكر في إضافة ــ عملة الصين إلى محافظها. في أكتوبر 2013، وقع بنك الشعب الصيني والبنك المركزي الأوروبي على اتفاق ثنائي لمبادلة العملة بقيمة 50 بليون دولار أميركي، وهو الاتفاق الأكبر من نوعه على الإطلاق الذي تعقده الصين خارج آسيا.
بدعم الرنمينبي كعملة احتياطية، تسعى أوروبا إلى دعم دعاة التحرير داخل الصين والترحيب بها ضمن المجموعة الأساسية من القوى العالمية التي تتخذ القرار في ما يتصل بالشؤون النقدية العالمية. ولكن من المؤسف أنها تفعل ذلك في وقت حيث يخضع الرنمينبي لهجوم من قِبَل المضاربين ويفقد الصينيون أنفسهم الثقة فيه. وقد تنجح جهود أوروبا؛ ولكن ما لم تجعل الصين عملتها متاحة على نطاق أوسع وما لم تفتح سوقها بدرجة أكبر، فمن المؤكد أن هذه الجهود سيكون مصيرها الفشل.

نيكولا كاساريني رئيس بحوث آسيا في معهد الشؤون الدولية في روما.