التحديات التي تواجه عمان(١٢).. "اهمية جذب الإستثمارات الأجنبية"

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٨/يوليو/٢٠٢٠ ٢٠:٢٩ م
التحديات التي تواجه عمان(١٢)..
"اهمية جذب الإستثمارات الأجنبية"

مرتضى بن حسن بن علي

تعتني العديد من الحكومات حول العالم ، بما فيها الدول المتقدمة، بإستقطاب الاستثمار الاجنبي المباشر، ونقصد بذلك بحسب التعريفات العالمية، بما في ذلك تعريف الصندوق النقد الدولي، بتدفق رؤوس الاموال الاجنبية المباشرة لتكوين شراكات او إنشاء منشأت او مشاريع جديدة او تطوير القائمة منها. وتذكر الامم المتحدة في إحدى تقاريرها إن مجموع الاستثمارات الاجنبية المباشرة حول العالم، بلغت في عام ٢٠١٨م وحده، مبلغ "١،٣"تريليون دولار أمريكي، أما في عُمان فقد بلغت الإستثمارات المتراكمة منذ عام ١٩٧٠م وإلى نهاية يونيو ٢٠١٩م مبلغا قدره "٣٠،٣" بليون دولارا أمريكيًا فقط، اي بمعدل" ٦٠٦" مليون دولار سنويا، وإحتل قطاع النفط والغاز حصة الاسد من تلك المبالغ،حيث بلغ "١٧،١٤" بليون دولار امريكي، اي بنسبة "٥٧٪؜" من المجموع، وإذا أستثنينا الإستثمارات في قطاعي الانشطة العقارية والوساطة المالية، فان مجموع الاستثمارات في قطاع الصناعة التحويلية بلغ "٤،٤" بليون دولار أمريكي، اي بنسبة "١٣،٦٧٪؜" فقط.
موضوع جذب الإستثمارات الأجنبية يثير إهتماما كبيرا في معظم دول العالم المتقدمة منها أو النامية أو الاقل نموا، ويشتد التنافس بينها لتقديم كل التسهيلات الضرورية لجذبها، وإقامة سياسات خارجية ذات توجهات إقتصادية واضحة، ونسج علاقات عامة مع كبار مسؤولي الشركات المختلفة وبتنسيق كامل مع الجهات المسؤولة في بلدانها.
فوائد الإستثمارات الأجنبية متعددة، فهي تساعد على نقل النماذج التجارية والخدمية والفنية إلى إقتصاديات الدول المضيفة، منها الإسراع في نقل التكنولوجيا المتقدمة والنظم الإدارية المتطورة، وفتح المجال لسلع الدولة المضيفة وخدماتها لدخول الأسواق المختلفة، وتدريب كوادرها الوطنية، ورفع مستوى مهاراتها، ونشر ثقافة العمل بين صفوفها، وتوفيرفرص توظيف متصاعدة للباحثين عن عمل، وتحسين مستوياتهم المعيشية، وتطوير البحث والابتكار، وتحسين ميزان مدفوعات الدول المضيفة، وتنويع مصادر دخولها عن طريق إستثمار موارد البلد المضيف، في مشاريع البنية التحتية المختلفة ، مثل مشاريع الطاقة المتجددة، والاتصالات والسياحة، والتعدين، وغيرها.
الإستثمارات الأجنبية تقوم أيضا بتوفير إحتياجات الشركات الوطنية الصناعية الشريكة معها، من الالات والمعدات والمساعدات الفنية، بشروط ميسرة مما يتيح لها فرصة إنتاج السلع بالمواصفات العالمية، وإعطائها قيمة مضافة وتصدير منتجاتها إلى أسواق متعددة، ووجود فروع للشركات العالمية متعددة الجنسيات، يؤدي أيضا الى نوع من المنافسة بينها وبين الشركات الوطنية، يدفع بالاخيرة بالسعي للحصول على أحدث النظم الفنية والادارية لتطوير قدراتها الفنية والتكنولوجية، كما تساهم أيضا بتحفيز الخبرات الوطنية، وتوفر لها فرص وظروف العمل المجزية في بلدانها بدلا من الهجرة الى الخارج، بالتالي فانها تساهم على إيقاف إستنزاف الخبرات الوطنية التي تشكو منها الدول النامية، كما إنها تشكل إحدى الاسس للنمو والتحسن الاقتصادي.
تساهم الاستثمارات أيضا في إستفادة الدول المضيفة التي تمتلك أموالا ولكنها تفتقد الى التكنولوجيا الحديثة والخبرات الكافية، لتنفيذ المشروعات المختلفة، عن طريق تدريب العمالة المحلية، وإكسابها المهارات التكنولوجية الحديثة. الاستثمارات الاجنبية تساهم ايضا في دعم ميزان مدفوعات البلد المضيف نتيجة لتمكينه من الحصول على النقد الاجنبي (حساب العمليات الرأسمالية)، ومساعدة المنشآت الصغيرة والمتوسطة الانتاجية على فتح خطوط إنتاج متخصصة محددة لتلبية بعض إحتياجات المشاريع الصناعية الاجنبية.
لكل هذه الاسباب وغيرها، نرى قيام الدول المتقدمة إقتصاديا ايضا، مثل الولايات المتحدة واوروبا الغربية ببذل جهود لجذب الاستثمارات الاجنبية، ففي الولايات المتحدة مثلا، تقوم الجهات المسؤولة بالاعلان الدائم والواضح عن مميزات الاستثمار الاجنبي فيها، شارحة تفاصيل المساعدات المقدمة، وفي سنغافورة، قامت الحكومة بتأسيس شركة حكومية كبيرة تعني بالنمو الاقتصادي للدولة، وتربو ميزانيتها على أكثر من ٤٠٠ مليون دولار امريكي، ويعمل بها اكثر من ٥٠٠ موظف على درجة عالية من الكفاءة، لتسويق سنغافورة لدى كبريات الشركات العالمية، والبحث عما يجذب تلك الشركات للاستثمار، وتشرح لها فوائد الاستثمار في سنغافورة. وتوجد مؤسسات او شركات مماثلة في الدول التي إهتمت بجذب الاستثمارات الاجنبية المباشرة في أنحاء كثيرة من العالم ومنها دول النمور الاسيوية.
التحدي الاساسي الاول امام أية حكومة، هو خلق بيئة جاذبة للاستثمار والتي تشمل بيئة مالية مستقرة، ونسبة تضخم منخفضة، وسياسة مالية تستهدف تفادي الوقوع في إتساع رقعة الائتمان والديون، وتحرير الاقتصاد، وسوق العمل وإعادة هيكلتهما، والشفافية في نشر المعلومات الاقتصادية والمالية، وحرية إعادة توزيع المكاسب والارباح، وخصخصة الشركات الحكومية، وتطوير معايير المحاسبة والحوكمة، لكي تتماشى مع المعايير الدولية، وتوفير قوى عاملة ماهرة ذات مستويات إنتاجية عالية وأخلاقيات عمل ممتازة.
ومن أجل جلب الاستثمارات، يقوم كبار المسؤولين في الدولة الراغبة لجذب الاستثمار بالمشاركة الفعالة في تسويق بلدانهم، لإثبات أن الحكومة داعم اول لها، كما تقوم الحكومات بتأسيس جهات متخصصة وكفوءة لجذب الاستثمار الاجنبي تتولى التنسيق بين المستثمر والسلطات المختصه لتسهيل الاجراءات، وتزويد المستثمر بأية معلومة عن الفرص المتاحة، ووضع إستراتيجيات واضحة، تشمل تحديد القطاعات المستهدفة، والمحفزات والخدمات المقدمة، لاعطاء فكرة للمستثمر الاجنبي لإقناعه في الاستثمار وحتى بداية إستثماره، وبعد ذلك أثناء الاستمرار في الاستثمار. كما تقدم دولا عديدة إعفاءات ضريبية مختلفة، وتسهيل المعاملات الادارية بعيدا عن البيروقراطية المستهلكة للوقت، وبنية تحتية للعمل من خلال أنظمة إتصال ووسائل مواصلات متقدمة، وأماكن متنوعة للترفيه، وتقديم أسعار خاصة للطاقة، خاصة عندما تكون أسعار الطاقة عاملا أساسيًا في بعض المشاريع.
كل ذلك يتطلب القيام بإصلاحات شاملة وجذرية لتحسين مناخ الاستثمار، وبالتالي تشجيع القطاع الخاص المحلي والأجنبي على زيادة إستثماراته، واعادة النظر في بعض الضرائب، وتخفيض معدلاتها، وتخفيض او إلغاء العديد من رسوم التسجيل او المعاملات.الهجوم المستمر على القطاع الخاص والوافدين وعدم مرونة قوانين العمل واجراءاته تولد نوعا من الخوف لدى المستثمرين وبالتالي لا تشجعهم على الاستثمار.ولذلك اصبح ضروريا قيام عمان بتقيبم الوضع من جديد، وبشكل دوري، وتعديل ما يلزم تعديله، ومضاعفة الجهود وتكاملها للتوافق مع أفضل البيئات التحفيزية المطبقة لأفضل الممارسات العالمية، لتتمكن من زيادة حصتها في السوق العالمي لجذب الاستثمارات الخارجية إلى السلطنة، والقفز بالنسبة الى مستوى أعلى في المستقبل القريب.كما أصبح ضروريا نشر ثقافة أهمية الاستثمارات في كل الدوائر الحكومية، مدعومة مع حملات توعية اعلامية مركزة، ليشعر الاخرون باهمية الاستثمار.