هل يشهد العالم كارثة اقتصادية جديدة؟

مؤشر الثلاثاء ١٢/يناير/٢٠١٦ ٢٣:٢٠ م

مسقط -ش
«الاقتصاد العالمي يواجه أزمة وعلى المستثمرين الحذر». هذه الكلمات التي نطق بها جورج سوروس، أحد كبار المستثمرين في العالم لم تكن عن عبث، بل شكلت مقدمة لبحث طويل قدمه سوروس في الكلمة التي ألقاها في منتدى اقتصادي في سريلانكا. فسوروس اعتبر أن انطلاقة العام 2016 اقتصادياً شبيهة بالعام 2008 وهو العام الذي شهد انهيار أكبر المصارف في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا بسبب ما عرف حينها بأزمة الرهن العقاري.

لكن ما الذي دفع سوروس إلى هذه النتيجة، وهل وقع العالم فعلياً في الأزمة؟ الأسبوع الأول من العام الجديد لم يبشر بالخير، البورصة الصينية اضطرت للإقفال مرتين خوفاً من الانهيار الكبير. تردُّدٌ في الأسواق أجبرها على ذلك، غير إن الإقفال بحد ذاته حول التردد إلى ذعر وهدد بكارثة كبيرة. في الجانب الآخر من العالم تلقوا الرسالة: افتتحت الأسواق الأمريكية على تراجع كبير للأسعار، جنّ شارع وولستريت، الشارع الشاهد على أكثر من أزمة تاريخياً، مؤشر داو تراجع أكثر من 400 نقطة، الأسواق الأوروبية لم تكن بحال أفضل، الذعر انتشر في كل مكان، نصف ساعة فقط شهدت خسائر بحجم عام، وبلغت مجمل خسائر الأسواق العالمية حد التريليوني دولار في ثلاثة أيام فقط. غير أن المصرف الصيني تدخل من خلال مصارف تملكها الدولة، ودعم الأسواق بنفسه منقذاً العالم من الانهيار. فانتعشت الأسواق قليلاً واستردت جزءاً من خسائرها.

لكن ما الذي يتحدث تحديداً؟ ابحثوا عن الصين. فتلك الدولة تملك ثاني أكبر اقتصاد في العالم من بعد الولايات المتحدة الأمريكية، مع ناتج قومي يبلغ نحو 11.39 تريليون دولار، مما يجعل أي أزمة في الصين تؤثر في العالم بأسره. وليس سراً أن الاقتصاد الصيني يعاني من انكماش حاد، ما دفع كبار المستثمرين إلى سحب استثماراتهم، ومن بينهم جورج سوروس نفسه الذي باع حصته في إحدى أقوى الشركات الصينية وهي مجموعة علي بابا. ولم يكن سوروس الهارب الوحيد من السوق الصينية بل تتحدث الصحف الأمريكية عن 843 بليون دولار خرجت من السوق الصينية في العام الفائت، وهو رقم هائل على الرغم من حجم الاقتصاد الصيني الضخم. وتأتي هذه الانسحابات في ظل كساد المنتجات التي تعاني منها المصانع الصينية والخلل بين المعروض والمطلوب.
لكن هل هذه نهاية العالم؟ بالتأكيد لا؛ لأن الصين أقرت خطة اقتصادية تؤدي إلى إصلاحات كبيرة في الاقتصاد، وقوامها تطوير الصناعات التقليدية والقدرات التنافسية للشركات مع فرض رقابة على الإنتاج المفرط، كما تسعى الصين إلى توقيع عقود تجارية جديدة مع أسواق كبيرة، فهي طورت علاقتها التجارية مع كل من روسيا وإيران، ووقعت عقوداً كبيرة في أفريقيا، وفتحت الباب للاستثمار الخارجي، فضلاً عن عزمها وضع بعض الإجراءات للحد من التلاعب في البورصة كوضع قيود على المتاجرة الهامشية ومراقبة وتنظيم أنظمة التداول والتمويل، والأهم تغيير استراتيجية التداول في الأسواق معتمدة على المصارف التي تمتلكها الحكومة بدل تدخل المصرف المركزي مباشرة.
وحرصت الصين كذلك على إرضاء كبار المتمولين بدعم العملة المحلية خوفاً من تهريب أموالهم إلى الخارج، لتمنح بعض الثقة إلى المستثمرين الأجانب لتتمكن من جذبهم إلى السوق من جديد.
لذا لا يبدو أن الأزمة مشابهة للعام 2008، حتى الساعة على الأقل، لا سيما مع وجود مؤشرات جيدة للاقتصاد الأمريكي حيث أعلنت الحكومة عن مئات الألوف من الوظائف الجديدة، وقررت رفع الفائدة على القروض، وتقارير البنك الدولي تتوقع نمواً في الناتج القومي المحلي في البلاد، فضلاً عن أن خفض أسعار البترول الذي يشكل كارثة للدول النفطية سيؤدي إلى تخفيض أكلاف الإنتاج في الدول الصناعية وتشجيع الأسواق من جديد. أما المشكلة الصينية فما زالت الدولة قادرة على التدخل لحماية الأسواق لا سيما أنها تملك احتياطاً يناهز 3.3 تريليون دولار وهو يكفي لحماية اليوان وتهدئة البورصة.
لذلك، يمكن القول إن العالم يعاني من مشكلة اقتصادية لكن من المبكر الحديث عن أزمة عالمية، لا سيما إننا في بداية عام مليء بالتغييرات في الاستراتيجيات الاقتصادية للكثير من الدول.