مسقط - ش - العمانية
يقدم كتاب "أحلم بالرصيف" للكاتب والفنان محمد العامري، مرويات يومية عن المعتزل في زمن "كورونا"، متضمنًا مجموعة من التأملات الدقيقة لطبيعة حركة الكائن في الحجر الصحي ومعاناته اليومية، حيث تصبح النافذة هي العين المستطيلة التي يطل منها الكاتب على العالم.
قدم للكتاب الصادر عن دار خطوط ظلال للنشر في عمّان، القاص أنيس الرافعي قائلًا: "لا أدري المسوّغ الموضوعيّ أو الفكريّ، الذي دفعني للشروع في قراءة دفتر يوميّات محمد العامري من نهايتها. ترى، هل هي رغبة مجنونة لحفر بئر الكارثة من الأسفل؟ أم تراها محاولة يائسة لإعادة بناء صرح الفجيعة، مثلما يعمد عالم الآثار لبعث المدن المدفونة تحت أديم الأرض، انطلاقًا من المستحثّات والأحافير وبقايا الخرائب؟".
وأضاف: "هذا الوباء نائبة شديدة أصابت البشريّة في السويداء، وزلزلت شتّى نظم الحياة المتعارف عليها. ولعلّ تأمّلها عبر منظار مرويات الفيروس، سواء الأدبيّة أم تلك التي أقدم على تدبيجها أناس عاديون، سيسهم في تشريح هذه الجائحة التاريخيّة، اللاتي أضحت الجسر الزّمنيّ الفيصل بين حقبتين: عالم ما قبل كورونا، والعصر ما بعد الكورونيالي".
ويتابع الرافعي بقوله: "ينعت محمد العامري تدويناته الوجيزة المكتوبة بحدّ شفرة حلاقة، ضمن تأطيرها التجنيسيّ الفرعيّ ﺑ(الموحشة). وهو توصيف دالّ وبليغ ينطوي على معاني الخراب كافة؛ أقصد، الخراب الكلّيّ للخارج. خراب الحياة التي سقطت عموديًّا في غيبوبة الموت السريريّ".
ويرى الرافعي أن "أحلم بالرصيف" يمثل يوميّات للداخل بامتياز.. "الداخل الذي تحوّل إلى حصن منيع ضدّ الهجمات المرتقبة للجائحة. فالخارج الآن قفر من دون شكّ، لكنّ الداخل على النقيض أضحى عاجًّا بجميع مقوّمات البقاء على قيد الحياة وأسبابها الحيويّة". لذلك "نلقى في الداخل الذي أعاد العامري اكتشافه، رجلا شبيها أو قرينا أو بديلا لمحمد العامري، الفنّان والشاعر والسارد، يحاول أن يحاكي بالحذافير والتفاصيل الدقيقة أدواره ووظائفه السابقة، التي كان يؤديها في حياة ما قبل الغاشية".
وبينما يفشل العامري في هذا الأمر فشلا ذريعا، كما يرى الرافعي، "نراه يلجأ عوضا عن ذلك إلى الاستلقاء فوق كنبة طويلة ذات ملمس طريّ، يسمّيها (التابوت الأزرق)، ثمّ يبدأ في مقاومة الخارج بمؤثثات الداخل وعناصره. يجترح بفرشاته وألوانه وأقلامه اسكتشات حبريّة وتخطيطات على الورق. يعمل النّظر في الضجر والفراغ والصمت والعزلة. يتبصّر الموسيقى والشعر والظّل والزمن. يتدبّر الوردة والشجرة والعصفور والحذاء. يتقصّى النافذة والمساحة والذاكرة والجسد. يحاول بقصارى جهده أن يوقظ الحياة من قلب الداخل. أن يسحب ما كان في الخارج إلى الداخل، إلى الداخل العميق، الذي غدا الضّفّة الوحيدة الآمنة، والقادرة على تجنيب الكينونة والوجود غائلة الردى".