لميس ضيف
يعجز البعض عن تفسير التنافس العدائي بين الزملاء في الأعمال، ومحاربة بعضهم للمجتهد والموهوب فضلا عن باقي المظاهر كالوشاية والتسلق على ظهر الآخرين. في المقابل تسمع وترى عن تعاضد الزملاء في المجتمعات المتقدمة مع بعضهم البعض في الأعمال ودفعهم لبعضهم البعض، بل وتسمع عن اندماج شركات منافسة أو إنقاذ شركة لأخرى.
وتسمع "إطراء" ناجح على منافسه وهو مالا تراه عندنا أبدا، تأويل كل هذا يمكن ربطه بنظرية "الوفرة والندرة" لستيفن كوفي، فعقلية الندرة فتؤمن أن الفرص محدودة (فهناك لقمة إن لم تأكلها فسيأكلها غيرك)، فالحياة في مخيلة هؤلاء تنافس وصراع، أما أن تكسب فيها أو تكون في عداد الخاسرين، وأصحاب تلك العقيلة مرهقون ومُرهقون .. فبقدر ما يسببون الانزعاج لسواهم فهم لا يعيشون في راحة أيضا، فهم أسرى الحسد والقلق وترقب الاسوأ.
المؤمنون بالوفرة على الضفة الأخرى يعيشون في سعادة وراحة لأنهم يؤمنون بوجود فرص تكفي للجميع، وأن نجاح غيرهم لا ينتقص منهم ولا من فرصهم في الحياة، وأن الخير كثير وكثير جدا ليكفي الجميع، ويؤمن هؤلاء أيضا بأنه لا داعي أن يكون هناك "خاسر" بالضرورة في كل منعطف وموقف وموقع، فيمكن أن يربح الجميع بدرجة ما.
أننا نتحدث هنا عن حالة ذهنية تحكم تصرفاتنا بوعي أو دون وعي، حالة لم نولد بها بل اكتسبناها من بيئتنا التي تنمي عند الأطفال "حتى في اللعب" مفهوم الخسارة للغالبية، مقابل الفوز لشخص واحد ! ومجتمعنا الذي يصف الشخص الذي يقفز على زملائه بأنه "شاطر" أيا كانت الطرق التي يتبعها للوصول لموقعه.
في النتيجة تعزز مجتمعاتنا مبدأ "التنافس" على حساب "التعاون" .. و" التدافع" في العمل على حسب "الدفع" والدعم للآخر.. و"المزاحمة" على حساب " التكامل".
ولأن الأمور تعرف بنتائجها تماما كما يُعرف الزرع بقطافه، فتقييم نتائج العقليتين واضح شاخص أمامكم:
فأولئك الذين يؤمنون بالندرة دمروا مجتمعاتهم عبر تدميرهم للطاقات التي تتفجر فيها بين الحين والآخر وانشغالهم بـ " أنا أو أنت " .. أما أولئك الذين يؤمنون بالوفرة "أنا وأنت" فقد حققوا نجاحات مزدوجة على الصعيد الفردي والجماعي وعاشوا مستقرين لعلمهم بأنهم لن يخسروا شيئا لو تقدم غيرهم.
هذه هي الحقيقة التي ربانا عليها ديننا ولكننا لم نتعلمها، والتي نأمل أن تصل يوما ما لقوافل المؤمنين بالتنافس العدائي الذين يحيلون حياتهم وحياة زملائهم جحيما: هناك خير يكفينا جميعا، وهناك رزق مكتوب سنناله ولو نازعنا عليه الوحوش ومرده الجن والإنس، فلا تبحثوا عن السؤدد في كسر أجنحة غيركم.