محمد بن سيف الرحبي
alrahby@gmail.com
www.facebook.com/msrahby
استبشرت خيراً بتوقعات أثارها البعض بإمكانية حظر خدمة «واتساب» بعد تشفير محادثاته، رغم أهمية هذا البرنامج ومميزاته الهائلة بما كان يكفي لندمنه، وفي الإدمان شر مستطير، مهما بدت الأشياء جميلة، والنوايا حسنة.
ربما، لم يبلغ برنامج «مراسلة» أو «محادثة» ما وصل إليه «واتساب» من هيمنة تامة على واقعنا في التواصل الاجتماعي حتى أصبحت حياتنا مرهونة به، نفتح أعيننا على وقع «مسجاته» ونغلقها (بعد طول سهر معه) على وداعية من آخر رسالة وصلت عبره، وكم عبره سفكت دموع ضحك، وحزن، ووداعيات، وتسوق وتسويق، وتريليونات الرسائل التي تصلح كدراسة لتحولات الحياة البشرية في القرن الحادي والعشرين ليأتي هذا البرنامج الإلكتروني جزءاً أساسياً في سياقها المعاصر، فيتداخل في دراسة آثاره علم الاجتماع مع علم النفس مع علوم دراسة السلوكيات المصاحبة للظواهر الإنسانية على مر التاريخ.
لقد أحدث «واتساب» طفرة كبيرة في علاقاتنا الاجتماعية، والتواصل المباشر بخاصة في نظام المجموعات حيث تلتقي طائفة من البشر لتتحاور وقتاً من الزمن قد يطول، وربما يصبح بإمكان المرء مجالسة مئات الأشخاص في نفس اللحظة إذ يوجد البعض في أكثر من ثلاثين مجموعة «واتسابية» لكل منها «أخبارها وعلومها».. وأحاديثها التي تنقل من غيرها، وينقل الغير منها، على مدار الساعة الحقائق والإشاعات، والأهم هي تلك النكات الساخرة المعبرة عن حالة يمكن عبرها دراسة المجتمع، حيث استخداماته ليست حكرا، ولا حصرا، على شريحة ما، بل أصبح هواء يتنفسه الجميع.
إذا توقف «واتساب» سنجد وقتاً كبيراً بين أيدينا للنظر فيما أضعناه طوال ظهور هذا البرنامج، سنتعرّف على أصدقائنا بشكل مباشر حيث يمكننا النظر إلى وجوههم، ستقلّ الشائعات، يفقد البعض وسيلة متاحة من التسويق البسيط والمباشر، ستتراجع أرقام حوادث السير، والمشاكل العائلية، والتخبطات العاطفية، والسهر الطويل، والنظر الدائم إلى شاشات الهواتف، حتى أولئك الجالسين في الحدائق أو بالقرب من البحر يمكنهم التمتع أكثر بنعم الطبيعة بدلاً من الوقوع في قائمة «الرؤوس المنكسة» والأصابع التي تلامس الشاشات الإلكترونية ليل نهار.
هل ستتوقف الحياة إذا توقف هذا البرنامج؟!
بالطبع، لا، والمؤكد أننا سنجد سواقي أخرى لتستمر دورة الحياة بكيفيات متعددة، منّا من يبحث عن «التشفير» كما يحدث في الصين التي منعت خدمات جوجل وتويتر وفيسبوك لكن توجد لافتات على محلات التقنية تعرض برامج تشفير للحصول على هذه البرامج، ولن يعدم البشر وسيلة للقفز فوق القانون، مهما بدا سوط العقوبات ملوّحا به.
شخصياً.. لا أتوقع منعه في عمان؛ لأننا بلد منفتح، وهذا البرنامج يعطي ميزة إضافية حيث يتيح للناس فرصة «التنفيس» عن همومهم الاجتماعية والاقتصادية والعاطفية، وإذا أقلعوا عن إدمان هذه العادة فما أخطر ما سيدمنونه لاحقاً.. ما تعرفه أفضل مما لا تعرفه!!