تقول نهلة* بينما كانت تحيك ثوباً في ورشة تملكها وتديرها "نيو لايف": "كان كل شيء يسير على ما يرام حتى تخلفت عن سداد العديد من الأقساط المستحقة الدفع، وبعدها بوقت قصير، وجدت نفسي في السجن".حاضنة الأعمال، التي تهدف لدعم النساء المعدمات اقتصادياً، هي شركة تعاونية بين مؤسسة مصرية غير ربحية، و"سجينات الفقر" ومؤسسة "دروسوس" التي مقرها في زيورخ.
نهلة، 32 عاماً، لم يكن لديها علم أن التخلف عن سداد قسط قد ينتهي بها في السجن. مثل العديد من النساء اللاتي انتهى بهن الأمر في نفس موقفها، كانت ستقضي جزء كبيراً من العشرينات من عمرها محبوسة. ومع ذلك، في يوم ما في أوائل التسعينات، سنوات قبل دخول نهلة السجن، كانت صحفية مصرية تكتب تقريراً عن قصة من سجن القناطر للنساء عندما لاحظت مجموعة من الأطفال يلعبون في حديقة السجن. منساقة بالفضول الصحفي، بدأت نوال مصطفى، التي ترأس الآن "سجينات الفقر"، تبحث كيف ينتهي الأمر بأطفال رضع وأطفال في سن الحبو في السجن.
قصص حية تسمعها آذان متعاطفة
بعد لقاء العديد من الأمهات، بدأت مصطفى في ملاحظة نموذج واضح وهو التخلف عن دفع الأقساط. كان السائد أن معظم هؤلاء النساء تحملوا الدين لدعم عائلاتهن بعد أن هجروهن أزواجهن، المعيلون، فجأة. بعد نشر سلسلة من اللقاءات المتعمقة مع بعض هؤلاء السجينات، تلقت مصطفى سيلاً من الدعم من قارئيها، يحثونها على البحث عن طريقة مؤثرة للمساعدة.
تقول مصطفى: "كان فريداً وقتها أن يتعاطف البعض مع أشخاص مسجونين. حتى أصدقائي وجدوا ذلك غريباً، واتهمني البعض بأنني أدافع عن مجرمين. لكن ما كنت متأكدة منه إن ليس جميعهم مجرمين، والكثير من قرائي اتفقوا معي على هذا".
بمساعدة تبرعات من قارئيها، وفرت مبدئياً الاحتياجات الأساسية اليومية لهؤلاء النساء وأطفالهن، ويجوز للأطفال بموجب القانون البقاء مع أمهاتهم بشكل شهري حتى يتموا عامهم الثاني. وبدأت مصطفى، بمساعدة موظفي السجن، تحديد حالات النساء اللاتي تم استغلالهن من قبل أزواجهن أو زج بهن في السجن بسبب نقص حقيقي في مصادر الدخل.
شرحت مصطفى: "احتوت قصص هؤلاء السيدات بوضوح على كل "أمراض الفقر". شعرت حقاً بالمسئولية تجاههن. فيمكنك زيارة مستشفى للتبرع أو ملجأ، لكنك لن تفكر أبداً في الذهاب للسجن. لقد شعرت أن الله قد أرسلني لأكون صوتهن".
في أوائل الألفية الثانية، كانت مصطفى تعمل بجهد لجمع الأموال لسداد ديون هؤلاء السيدات ليستعدن حريتهن. لكن سرعان ما اكتشفت أن العديد منهن انتهى بهن الأمر بالرجوع إلى السجن لنفس الأسباب تقريباً.
"بعد الإفراج عنهن، لم يصبحن ضعيفات بسبب نقص مصادر الدخل فحسب، بل زادت عدم قدرتهن على الحصول على وظيفة بسبب وصمة العار المرتبطة بكونهن مسجونات سابقات. حتى أنه تم إبعاد بعضهن عن عائلاتهن بسبب وصمة العار، فانتهى بهن الأمر بتكبد الديون مرة أخرى".
القيام بخطوة حاسمة
أطلقت مصطفى مبادرة "سجينات الفقر" في عام 2007 بحثاً عن حل جذري. لن تدفع فقط ديون نساء ترى استحقاقهن لفرصة أخرى، بل أيضاً قامت بتأسيس ورشة عمل حيث يمكنهن تعلم مهارات مثل النسج أو الخياطة أو تقديم الطعام، ليكن باستطاعتهن كسب لقمة العيش وكسر هذه الحلقة المفرغة.
مع مرور الوقت، أصبحت "سجينات الفقر" وجهة للنساء المعدمات اللاتي يبحثن عن كسب لقمة العيش. بعضهن سجينات سابقات، وأخريات في خطر كبير من الانتهاء في السجن. في عام 2014، شاركت مؤسسة "دروسوس" بالمزيد من الأموال، سامحة بإطلاق "نيو لايف"، ورشة خياطة الملابس، ومنتجات الأقمشة ولوحات القماش من بين العديد من المنتجات الأخرى.
بدأ بعض هؤلاء النساء الأعمال التجارية الخاصة بهن، بينما لم تزل الكثيرات تعتمدن على ورشة العمل، لتكسبن ما يكفي لدعم أنفسهن وأسرهن.
ولمجهودات مصطفى في هذا المجال في العقدين الأخيرين، فازت بعدد من الجوائز وأوسمة الشرف في كل أنحاء المنطقة. الأكثر تميزاً منها كانت جائزة صناع الأمل العربي لعام 2018 Arab Hope Maker، وتقدر بمليون درهم إماراتي ($272,300) مقدمة من الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات وحاكم دبي.
*تم تغيير اسم نهلة لحفظ هويتها.