الوصفة التركية الأوربية لأزمة اللاجئين

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١١/أبريل/٢٠١٦ ٠٠:٠٧ ص
الوصفة التركية الأوربية لأزمة اللاجئين

أ.د. حسني نصر

منذ أن وقعت تركيا والاتحاد الأوربي في الثامن عشر من مارس الفائت اتفاقا لاحتواء تدفق اللاجئين إلى أوروبا، والذي تعهدت فيه أنقرة بضبط حدودها المائية والبرية وإعادة جميع اللاجئين الجدد الذين يصلون منها إلى الجزر اليونانية ومنع فتح مسارات نزوح جديدة نحو أوروبا، منذ ذلك الحين وأسئلة العالم كله لم تتوقف ليس فقط حول شرعية هذا الاتفاق ومدي انتهاكه لمبادئ حقوق الإنسان، ولكن أيضا حول مدي إمكانية نجاحه وتطبيقه كاملا وإنهاء ازمه اللاجئين المزمنة التي أنهكت اللاجئين أنفسهم وتركيا واليونان ودول الاتحاد الأوربي والعالم كله بوجه عام؟
في تقديري أن الاتفاق الذي يشبه الوصفة الطبية التي لا تخلو من آثار جانبية ضارة، قد لا يكتب له النجاح لاعتبارات إنسانية ودولية كثيرة قد تعمق الخلاف بين أطرافه، وتعجل بالتخلي عنه رغم دخوله حيز التنفيذ الأسبوع الفائت بترحيل اليونان لأعداد من اللاجئين الذين وصلوا إليها عبر البحر إلى تركيا.
على الصعيد الإنساني ما زالت المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان ترى في هذا الاتفاق الذي يتيح إعادة اللاجئين الذين يحاولون دخول دول الاتحاد الأوربي بطرق غير شرعية إلى تركيا انتهاكا صريحا لكل المواثيق الدولية ودفع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين إلى التعبير عن مخاوفها منه، كما دفع منظمة العفو الدولية إلى التنديد به واعتباره اتفاقا غير قانوني كونه يتيح عمليات طرد اللاجئين وربما إعادتهم إلى البلدان التي قدموا منها خاصة سوريا وهي بلد غير آمن بحسب القانون الدولي ويستحق مواطنوها اللجوء. ويتزامن مع ذلك ظهور حركات رفض شعبي إنساني في بعض الدول الأوربية للتعامل مع أزمه اللاجئين بهذه الطريقة المهينة التي تمنعهم من دخول دول الاتحاد الأوروبي وتجبرهم على العودة إلى الأماكن التي قدموا منها. فقد أعلن عدد من المنظمات الإنسانية الدولية وعلى رأسها منظمة أطباء بلا حدود وقف أعمالها في مراكز استقبال اللاجئين في اليونان احتجاجا على تحويل هذه المواقع إلى مراكز احتجاز للاجئين تمهيدا لإعادتهم إلى تركيا وفقا للاتفاق التركي الأوربي. هذا الرفض الشعبي، الذي شمل مواطنين ونواب برلمانيين ورجال دين وعلماء ومفكرين في عدد من الدول الأوربية من بينها ألمانيا مهندسة الاتفاق، من شأنه أن يتصاعد بمرور الأيام في ظل استمرار عمليات الترحيل القسري غير الإنسانية وهو ما قد يضرب شرعية الاتفاق ويعجل بسقوطه.
أما على صعيد طرفي الاتفاق فإن الطرف التركي يبدو مرشحا بقوة لإسقاط الاتفاق رغم المكاسب المالية التي يتضمنها. ففي الأسبوع الأول لتنفيذه خرج الرئيس التركي رجب طيب اردوغان محذرا من أن بلاده لن تنفذ الاتفاق ما لم يلتزم الاتحاد الأوروبي بتعهداته، خصوصا تلك المتعلقة بإلغاء تأشيرة الدخول إلى أوروبا للمواطنين الأتراك اعتبارا من يونيو المقبل. والواقع أن هذا التحذير يكشف عن تشكك تركيا في قدرة الاتحاد الأوروبي على الوفاء بالتزاماته باستثناء الالتزام المالي الذي يصل إلى ستة مليارات يورو يتم منحها لتركيا للمساعدة في التعامل مع أزمة اللاجئين عبر تمويل مشاريع تعالج الحاجات الإنسانية الأساسية للاجئين السوريين على الأراضي التركية. والواقع أن هذا الدعم يبقي مشروطا هو الأخر بالتزام تركيا بالمعايير الأوروبية في إنفاق هذا المبلغ على اللاجئين.
لقد قبلت تركيا الاتفاق الذي تعلم انه يستهدف في المقام الأول جعلها حائط صد أمام موجات اللاجئين المتجهة إلى أوروبا، بل واعتبرته انتصارا تاريخيا لها كونه اجبر الاتحاد الأوربي على العودة إلى مسار التفاوض معها حول الانضمام للاتحاد. والحقيقة أن الاتفاق يصب كله في صالح أوروبا ولا يرتب عليها التزامات محددة سوى الالتزام المالي مقابل الدور الكبير وربما غير الإنساني الذي ستقوم به تركيا في ازمه اللاجئين والذي قد ينسف جهودها المقدرة دوليا في استيعاب العدد الأكبر من اللاجئين السوريين، فالتعهدات الأوربية كلها مشروطة وتحمل في نصوصها ما يتيح للاتحاد الأوروبي التنصل منها وعدم تنفيذها. وعلى سبيل المثال فان إلغاء التأشيرة للأتراك ما زال يحتاج إلى إجراءات عديدة وشروط مكلفة نصت عليها خارطة الطريق الموقعة بين الاتحاد وتركيا في أواخر العام 2013، وينبغي على تركيا أن تستوفيها قبل أن يتحول الأمر من مجرد تعهد إلى واقع فعلي. وتتضمن هذه الشروط ضمان تحصين الوثائق وجوازات السفر التركية من التزوير، وفرض تأشيرة دخول على مواطني مناطق النزاع مثل ليبيا وسوريا، وإلغاء التأشيرات الفورية الممنوحة لمواطني بعض الدول مثل العراق، والتشدد في منح تأشيرات لمواطني ١٨ دولة أخرى، إلى جانب الانضمام إلى جملة من البروتوكولات الأوروبية الخاصة بتبادل المعلومات الاستخبارية والقضائية حول الإرهاب والجريمة المنظمة والمطلوبين والتحويلات المالية للمنظمات المصنفة إرهابية في أوروبا، والمصادقة على بعض البروتوكولات الدولية والأوروبية حول استقلال القضاء وحقوق الأقليات وحرية الإعلام. وعلى هذا فان تنفيذ هذا الجزء من الاتفاق قد يستغرق وقتا طويلا يتجاوز الحد الزمنى المقرر الذي لم يتبق عليه سوى شهرين تقريبا، وبالتالي قد توقف تركيا تنفيذ اتفاق اللاجئين- كما حذر اردوغان- بعد أن تكون اليونان قد تخلصت تقريبا من كل اللاجئين المتواجدين على جزرها وبعد أن تكون أوروبا قد تخلصت مؤقتا من صداع أزمة اللاجئين وبحثت عن حل دائم لها.
وإذا كانت هناك صعوبات حقيقية في تنفيذ وعد إلغاء التأشيرة فان الأمر يبدو أكثر تعقيدا فيما يتعلق بمسار مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، خاصة مع استمرار رفض قبرص وعدم استيفاء تركيا نصف المعايير الـ٧٢ المطلوبة للانضمام، ومنها شروط تعجيزية بالنسبة لتركيا، مثل الاعتراف بجمهورية قبرص تحت الإدارة اليونانية وهو ما ترفضه تركيا جملة وتفصيلا. كل هذه الاعتبارات تجعلنا نقول إن الاتفاق التركي الأوروبي هو اتفاق مؤقت تهدف منه أوروبا إلى كسب الوقت وتأجيل الحل الشامل للازمة، وبالتالي فانه محكوم عليه بالفشل أن عاجلا او آجلا.

اكاديمي في جامعة السلطان قابوس