تخفيف عبء الديون لن يحل مشاكل اليونان

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٠/أبريل/٢٠١٦ ٢٣:٤٣ م
تخفيف عبء الديون لن يحل مشاكل اليونان

إدموند س. فيلبس

لن تخرج اليونان من مستنقع الأزمة الإقتصادية الحالية دون أن تدرك أولا ثم تعالج الأسباب التي دفعتها اليه، فالدولة الآن أضحت نموذجا يضرب به المثل في فشل النظام الاقتصادي. ونتيجة لممارسات المصالح الخاصة التي تضع جل اهتمامها لكسب الأصوات والمحسوبية لكسب المصالح فقد ساءت سمعة القطاع العام، رغما عن أن البعض يقول أن ايطاليا وفرنسا هما أيضا على نفس القدر من السوء في هذا الجانب. وتوضح بعض المؤشرات حجم هذه المشكلة، وعلى سبيل المثال فإن نسبة المعاشات لدى الحكومة اليونانية إلى الإنتاجية تقارب ضعفي نظيرتها في اسبانيا، والحكومة تبدي تحيزا للنخب في الشركات بالإعفاءات الضريبية، بل إن بعض موظفي القطاع العام يحصلون على مكافآت فقط نظير حضورهم الى مقر العمل في الموعد.
وليس بخاف أن القطاع الخاص في اليونان يوجد به شركات لا تتنافس مع بعضها البعض، وتمنع أو تعيق دخول شركات جديدة تحمل أفكارا جديدة. ومن الممكن قياس ضعف المنافسة، فقد عرضت آخر بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الأرباح كحصة من الايرادات التجارية بنسبة مذهلة تصل إلى 46 في المئة في اليونان، وهو ما يتجاوز بكثير نظيرتها في الدول الأعضاء الأخرى، وجاءت إيطاليا الثانية 42 في المئة وفرنسا 41 في المئة (في حين كانت المملكة المتحدة 32 والولايات المتحدة 35 وألمانيا 39) ويبدو أن اليونان هي الاقتصاد الشركاتي الأكبر في أوروبا.
أما الاقتصاد الناتج فيكاد يخلو من الدينامية اللازمة للابتكار الوطني، ومن ثم أصبح لدى اليونان معدلات بطالة مرتفعة واحتمال ضئيل لنمو مستدام للإنتاجية. وفي ظل منافسة ضعيفة للغاية يحجم أصحاب المشاريع عن توظيف أشخاص من الصفوف الطويلة من العاطلين عن العمل. وليس من المستغرب أن انتعاش التوظيف خلال الفترة من أواخر عام 2013 حتى أوائل2015 كان بطيئا نسبيا مقارنة مع ايرلندا والمملكة المتحدة وإسبانيا.
ولكن ما الذي يمكن عمله؟ يعتقد بعض خبراء الاقتصاد أن أخلاقيات العمل والادخار من قبل اليونانيين يمكن أن تنتشل البلاد، بيد أن تلك الفضائل التقليدية لا يمكنها ان تفعل شيئا لتعويض قلة الابتكار الذي ابتلي به الاقتصاد.
في حين يعتقد خبراء اقتصاديون آخرون أن الأدوات الكينزية وحدها - تخفيض قيمة العملة وغيرها من المحفزات على الطلب - يمكن أن تقدم رخاءا واسعا، ولكن المبادئ الكينزية التي تقول أن "الطلب" يرتبط بجذور تدني فرص العمل والنمو البطيء هي مغالطة.(والركود الهيكلي على المدى الطويل في اليونان والذي توقف لفترة وجيزة مع الصناديق الهيكلية من بروكسل يدحض ذلك).
وبنفس القدر من المغالطة الاعتقاد أنه حتى لو تسببت الممارسات والمصالح الخاصة في إعاقة الاقتصاد يمكن للأدوات الكينزية أن تدفع الاقتصاد ليعود إلى شكله الطبيعي. وكما نقرأ من التاريخ، بما في ذلك في اليونان، فاللجوء إلى الحوافز المالية في أحسن الأحوال غير فعال في نهاية المطاف، وربما أضاف المزيد من الصعوبات.
وبالتالي لا يمكن لأي قدر من إعادة هيكلة الديون، بل وحتى الإعفاء من الديون، أن يساعد اليونانيين في تحقيق الازدهار الحقيقي، وما يحتاجون إليه ليس إغاثة على المدى القصير، ولكن بالأحرى يحتاجون الى علاج على المدى الطويل.
وأفضل ما يمكن أن يقدمه الدائنون في منطقة اليورو من مساعدة لليونان هو تحفيزها على التخلص من الممارسات والمصالح الخاصة في القطاعين العام والخاص، والمسألة إذا هي ما إذا كانت الدول الدائنة نفسها وليس المصالح الخاصة، على استعداد للقضاء على ممارسات في اليونان يقبلونها هم أنفسهم بشكل كبير بلدانهم.

حاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2006 ومدير مركز الرأسمالية والمجتمع في جامعة كولومبيا