كتاب يعيد قراءة السلع العمانية في التاريخ الاقتصادي

مزاج الثلاثاء ٠٩/يونيو/٢٠٢٠ ٢٠:٠٣ م
كتاب يعيد قراءة السلع العمانية في التاريخ الاقتصادي

مسقط - ش
يحاول كتاب "قراءات في التاريخ الاقتصادي العُماني.. السلع العمانية أنموذجاً"، الاقتراب من التاريخ الاقتصادي لعُمان؛ عبر مجموعة من الأوراق البحثية التي تناولت مواضيع عدة تتعلق بالسلع التجاريّة العُمانية في فترات زمنية مختلفة، حيث أعد الدراسة التي جاءت في مئة وأربع وثلاثين صفحة من القطع المتوسط مجموعة من الباحثين قُدمت أوراقهم في ندوة علمية نُظّمت لقراءة التاريخ الاقتصادي لعُمان، وجاء الإصدار بالتعاون بين الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء، ودار نشر "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن.

ومن نماذج هذه السلع التي كان لها دور في تنمية الاقتصاد العُماني البُن أو القهوة، رغم أن عُمان لا تنتشر فيها شجرة البُن، لكنها ساهمت بشكلٍ كبيرٍ في التجارة؛ بحكم موقعها المتوسط، إذ راجت تجارة البُن حتى جُعلت لها سفن خاصة لنقلها، وسميت "أسطول البُن العُماني"، وتجارة المانجو والليمون والتمور، واللبان، الذي كان يطلق عليه السلعة المقدسة؛ نظراً لارتباطه بالآلهة والأديان والأساطير، وكذلك ارتبط بكثير من الشعوب التي جاءت لتأخذ هذا اللبان المقدس، والقرنفل الذي حل محل تجارة القهوة، وأصبح من أهم السلع المصدّرة إلى العالم في عهد السيد سعيد بن سلطان الذي استقر في زنجبار. الكتاب نتاج عمل الندوة العلمية التي أقامتها الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء نهاية عام 2018.

وجاءت الدراسة في مقدمة وأربعة فصول. تناولت الدكتورة أحلام بنت حمد الجهورية في الفصل الأول القهوة في اللغة والشعر، وتاريخ استخدامها مشروبا، ثم مكانتها الاقتصادية والجدل الفقهي الذي نشأ حولها، وخلصت إلى أن مشروب القهوة حفّز الإنتاج الفكري (الفقهي والأدبي)؛ إذ أُلفت الكثير من الكتب حول القهوة، وقيلت حولها الكثير من الأشعار. كما أدت القهوة إلى ثورة ثقافية تمثلت في بيوت القهوة (المقاهي)، وهي بدورها أسست لعادات وقيم مجتمعية مرتبطة بطريقة إعدادها وتناولها والطقوس المصاحبة لها؛ فالقهوة عنصر من عناصر ثقافة العربي، كما أنها عنوان الضيافة في كل بيت عُماني.

ومن أهم الحقائق التي خرجت بها الباحثة هي أن البُن سلعة تجارية حقّقت أهمية اقتصادية كبيرة لعُمان في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين، وكانت نتيجتها ارتفاع مكانة مينائي صور ومسق؛ بسبب الدور الاقتصادي المهم الذي قاما به، فربطا بين مناطق إنتاج البُن (اليمن ومناطق المحيط الهندي)، ومناطق الاستيراد في الخليج والشام ومصر واسطنبول ثم أوروبا. بالإضافة إلى أن تجارة البُن منحت العُمانيين مكاسب سياسية تمثلت في التقارب مع الدولة العثمانية، لا سيما بعد مساهمة العُمانيين في فك الحصار الفارسي عن البصرة في عام 1775م.

أما الفصل الثاني فجاء بعنوان "المحاصيل الزراعية، رافد تاريخي اقتصادي المانجو والليمون والتمور نموذجا" للباحثة الدكتورة بدرية بنت محمد النبهاني التي تطرقت إلى نشأة علم التاريخ الاقتصادي، ثم ظهور هذه السلع الثلاث (المانجو والليمون والتمور) في عُمان ودورها في رفد الاقتصاد العماني، وخرجت في نهاية بحثها بمجموعة من النتائج أهمها: أن السلع الزراعية شكلّت رافداً اقتصادياً مهماً لعُمان عبر التاريخ، كما كان للمانجو في عُمان أهمية اقتصادية كبيرة، إلا أن انخفاض الاهتمام بالمحصول وبرعايته أدى إلى تفاقم الأمراض التي يعاني منها، مما خفض الإنتاج على مستوى محلي فقط. ويشكل الليمون المجفف ثاني سلعة اقتصادية لعُمان عبر التاريخ، وجاء ذكره في الفتاوى المتعلقة بالزروع أنه محصول مساند للنخيل، ويُذكر كذلك بوفرة في الوثائق البريطانية المتعلقة بعُمان.

أما الفصل الثالث فخصصه الدكتور سالم بن عقيل مقيبل للبان، السلعة العمانية المقدسة، فتحدث عن جغرافية ظفار، وتعريف اللبان ومسمياته ومنابته، وإنتاج شجرة اللبان وكيفية حصاده، ثم تجارته وطرقها البرية والبحرية واهتمام السلاطين به في القرون السابقة وصولا إلى القرن العشرين، ويوصي الباحث في ختام دراسته باستزراع شجرة اللبان المقدسة في المناطق المتدهورة والصحراوية في عُمان، تأسيس مركز للبحث العلمي لمنتج اللبان واستخلاص المواد العطرية والطبية منه.

بينما جاء الفصل الرابع عن الآثار الاجتماعية والاقتصادية لزراعة القرنفل في زنجبار في القرن التاسع عشر الميلادي، وتحدث فيه الدكتور سليمان بن سعيد الكيومي عن دخول نبتة القرنفل إلى زنجبار، والتوسع في زراعتها، ثم عن الآثار الاجتماعية والاقتصادية لزراعة هذه النبتة.

وعن زراعة القرنفل في زنجبار يقول الدكتور الكيومي أنه كان لها آثار اجتماعية واقتصادية عميقة على سكان زنجبار بشكل عام والعُمانيين بشكل خاص. وأصبحت زنجبار من خلال القرنفل ميناءً رئيسياً على السواحل الشرقية لإفريقيا بعد أن كانت جزيرة صغيرة تزورها السفن التجارية لأخذ الماء وبعض الحاجات.

ويرد على ما كتبه صامويل أياني في كتابه «تاريخ زنجبار» حين قال إن تاريخ زنجبار كتبته الرياح، بأنه من المناسب القول إن جزءاً آخر من تاريخ زنجبار كتبته أشجار القرنفل.