علي بن راشد المطاعني
إطلعت على رسالة متداولة من وزارة الأوقاف والشؤون الدينية موجهة إلى وزارة المالية حول مقايضة أرض مقام عليها محطة وقود بولاية الكامل والوافي ملكا لبيت المال ، بأرض أخرى قدمها المواطن ، إلا أن عرض المقايضة يكتنفه الكثير من الغموض وعدم الشفافية التي يجب أن تتضمنها رسالة الوزارة بطلب المقايضة لأرض مواطن مع أرض ملكا لبيت المال وعليها إستثمار كمحطة وقود .
بل إن الوزارة قبل أن تعرض هذه المقايضة كان عليها أن تقيم العرضين من قبل مكاتب مختصة بالتثمين العقاري لكي تتضح له الصورة جيدا ولتتيقن عما إذا كانت الأرض المقدمة تساوي على الأقل أرض بيت المال بسعر السوق الحالي ، والتأكد هل فيها إيراد مالي معتبر يوزاي على الأقل دخل الأرض المقام عليها المحطة المستثمرة ، إلى غير ذلك من التقييمات المالية المنطقية الواجب أن تقوم بها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية قبل أن تحيل أي رسالة لوزارة المالية بطلب مقايضات وغيرها.
الأمر الذي يثير الكثير من علامات الإستفهام حول هذا التعاطي مع أموال بيت المال وأهمية زيادة المراقبة عليها وعلى إيراداتها وعما إذا كانت تتناسب مع القيمة السوقية في إيراداتها أو بيعها أو مقايضتها ، باعتبارها أموالا عامه تخضع لذلك ولإعلاء شان المصلحة العامة وعدم التفريط بحقوق الأموال العامة .
بلاشك أن أموال بيت المال إرث ديني وتاريخي قديم ، يعد رافدا لأموال الدول وينطبق عليه صفة أموال الدولة ، والسلطنة لها إرث تاريخي وقفي عريق في إدارة بيت المال والحرص عليه ، وقد أكدت عليه الكتب الفقهية العُمانية ، لذا فالحكومة وفق ما أوعزه المرسوم السلطاني الصادر رقم 6/1999 لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية إدارة تلك الأموال وفق لإختصاصاتها وإعتماد هيكلها التنظيمي من خلال المديرية العامة للأوقاف وبيت المال ، عبر دائرة بيت المال للتأكيد على مكانة هذه الأموال وأهميتها .
على أن تورد إيرادات هذه الأموال والممتلكات إلى خزينة الدولة كغيرها من الإيرادات العامة ، وفق منظومة تأخذ في الاعتبار كل الجوانب الشفافة في إدارة الممتلكات وقيمتها الفعلية في الأسواق ، إلا أن كل ذلك لم يكن برسالة وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بالوضوح المطلوب ، فالرسالة الأصلية ليس (المرفق) يتطلب إيضاح القيمة السوقية للأرضين المطلوب إسبتدالهما والجديدة المعروضة من المستثمر ، ورأي الوزارة بناء على التقييم المرفق من المكاتب وبعد إتضاح فرق في القيمة المالية لصالح بيت المال موضحا بالأرقام
إلا أنه لم يحدث شيئا من ذلك ، فحتى القيمة الإيجارية المتواضعة والبالغة 3000 ريال في السنة ، يجب أن تكون معيارا للمقايضة بالارض الجديدة وقيمتها الإيجارية الحالية إذا كانت ، من حيث المبدأ ، ولكن إذا لم يكن بها استثمار له عائدا واضحا ، فكيف لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية أن تعرضها اصلا للمقايضة وليس فيها مردودا ماليا واضحا يميزها كما جاء بالرسالة للمقايضة بأن قيمتها افضل .
بل إن لغة الرسالة الموجهة من وزارة الأوقاف والشؤون الدينية إلى المالية بها الكثير من الرفق والميل للمستثمر أكثر من بيت المال ، حيث تضمنت بأن ذلك مراعاة للظروف الإقتصادية والإجتماعية ، وهذا منافي للرأي الذي يجب أن يتضمن الرسالة وهو الرأي المعزز لبيت المال إذا كانت ثمة مصلحة عامة منشودة من المقايضة ولكن الرسالة تضمنت العبارة التالية :مراعاة لتجشم المستأجر مصاريف البناء والتعمير وطول فترة الإيجار مع المذكور خلال السنوات الفائتة ، وإستقرار الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية لمقدم الطلب.
لكن لم يثبت ذلك إجتماعيا وإقتصاديا من الجهات المختصة ، إذا كان هناك تأثرا من جانب المستثمر لكي تتم مراعاته ، من جانب وتناست الوزارة نفسها بأنه ومنذ أكثر من 21 عاما كانت المحطة مستأجرة بقيمة دون 250 شهريا ، من جانب آخر ، بل أن رفع الإيجار جاء متأخرا للسنتين 2019 و 2020 ، وفقا العقد المبرم بين الوزارة والمستأجر ، فليس هناك ما يبرر بالموافقة على العرض الغير مكتمل من جانب وزارة معنية بالإشراف على بيت المال يجب أن تكون أكثر حرصا على ذلك وتراعي المصلحة العامة قبل كل شيء
ومن جانب آخر فأن وزارة الأوقاف والشؤون الدينية لم تتبع الإجراءات في البيع بنظام (المقايضة) محطة الوقود من خلال المزايدة لتحديد الثمن الحقيقي للمحطة وفق آلية العرض والطلب المعروفة والمؤطرة إداريا باللائحة الصادرة من وزارة الإسكان بخصوص مزايدة محطات الوقود ، ولا يمنع بعد ذلك أن تكون الشفعة كما هي معرفة في الدين الإسلامي للمستثمر السابق أو جاره أو أي معايير تتبع ، وفي ظل التطبيق الصحيح للقانون المالي ولائحته التنفيذية بإعتبار أراضي بيت المال أراضي مملوكة للدولة ملكا خاصا وفق المادة 19 من القانون المالي يكون التصرف فيها بمقابل ولا يجوز التصرف في هذه الأموال بدون مقابل أوتأجيرها بإيجار أسمى من السابق .
كما حددت المادة 29 من اللائحة التنفيذية للقانون المالي طرق التأجير بالفقرة الثانية بحيث يتم التأجير عن طريق إجراء مزاد علني ، واستثناء يجوز عند الضرورة التأجير بطريق الإتفاق المباشر بالنسبة للعقارات التي تقدر أجرتها الشهرية بمبلغ 500 ريال عُماني فأقل وبعد موافقة وكيل وزارة المالية. فهل التأجير للمواطن أخذ بهذه الإعتبارات وطبقها تطبيقا سليما حرصا على المال العام ؟..
علما بان المقايضة المطلوبة للأرض المقام عليها المحطة تنتقل من الإيجار الى نظام التملك وبالتالي تنطبق عليها ماحددته اللائحة الصادرة من وزارة الإسكان الصادرة عام 2016 .
بل حتى الفتوى من سماحة الشيخ أحمد الخليلي مفتي عام السلطنة قال في رد على أحد الأسئلة ( قلنا بعدم جواز تأجير أراضي بيت المال ، إلا بطريقة الإستثمار خشية تسلط المستأجرين على بيت المال ، بحيث يتعذر فكاك ما بأيديهم منه ويتحكمون في مقدار الإيجار ، كما يهوون بأنفسهم أما إن كان التأجير بطريقة عادلة لا حيف فيها على بيت المال ، فلا مانع و الله أعلم) فهذا الأساس القانوني والديني الذي يجب أن تستند عليه وزارة الأوقاف و الشؤون الدينية في التعاطي مع أموال بيت المال .
بالطبع الكل يعرف مدى أهمية أموال بيت المال بإعتبارها أموال المسلمين عامة كما جاءت في الأحاديث والسير ، وهنا تحملنا مسؤولية مضاعفة في سلامة إدارتها والتأكد من مدى توافق قيمتها السنوية من القيمة السوقية وعدم التهاون في ذلك ، تاكيدا للنهج الإسلامي المعروف قبل الإلتزام بالنظم الإدارية والمالية للدولة واهميتها كذلك .
نأمل من الجهات الرقابية أن تضع يدها على أموال بيت المال مثلما تقوم بالتدقيق على كل الجهات وتتأكد من هذا الموضوع وغيره ، لما تمثله أموال بيت المال من أهمية كبيرة من الجوانب الدينية والمالية والحرص على سلامتها من إغراءات المستثمرين ورغباتهم كما جاء في فتوى مفتي عام السلطنة ، وقبله التزاما بما ورد في الدين الإسلامي الحنيف عبر القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة في إدارة الأموال العامة ، وبعدهما التطبيق نصا وحرفيا للأنظمة الإدارية والمالية في الدولة .