هؤلاء الكرام يستحقون الأفضل

مقالات رأي و تحليلات السبت ٠٦/يونيو/٢٠٢٠ ٢١:٣٣ م
هؤلاء الكرام يستحقون الأفضل

بقلم: علي بن راشد المطاعني
أثار موضوع التقاعد في الأجهزة الحكومية الكثير من الجدل حول إشكاليات تطبيقه وتنزيله لأرض الواقع، ونحسب أن الإشكالية الأكبر كانت في أسلوب تطبيقه وفي طريقة إعلام المتقاعدين بفحواه وبنحو ربما لم يراعِ حقيقة أنهم أفنوا زهرة شبابهم في خدمة الوطن وبالتالي فإن الإبلاغ كان له أن يضع في الحسبان أنه موجه لفئة (مميزة) من أبناء الوطن.
وبالتالي فإن الإبلاغ لا بد وأن يرتدي حلّة تليق بهذا التميز إشادة واحتراما وتقديرا وذلك من بعد التدثر بحلة القيم والأخلاقيات العُمانية الأصيلة ثم التوجه لهؤلاء الكرام الأماجد لنبلغهم بفحوى القرار وبكل هالات الاحترام.
وبما أن الأمر لم يكن كذلك فطبيعي أن تحدث طريقة الإبلاغ شرخا غائرا في نفوسهم ربما لن تندمل ببساطة، فمن حقهم علينا أن يحظوا بتكريم عالي المستوى يليق بما قدّموه من عرق وجهد في خدمة بلادهم، وليكون الوداع المحفوف بعبق الشكر الجزيل حافزا لهم لتقديم جهد مماثل في أي ركن من أركان الإنتاج والإبداع يختارونه لخدمة بلادهم أيضا، فهم خبرات لا يُستهان بها والوطن في حاجة إليهم ما برح.
فإذا سلمنا بحتمية التقاعد كنظام أو تعليمات جاءت من الدولة، وأنه لا بد منه طال الزمن أم قصر وأن علينا التكيّف مع مثل هذه المتغيّرات والأطر التي تهدف إلى تقليص الإنفاق وصولا لهدف وصف الحكومة بالرشيقة إلى غير ذلك من مبررات واقعية، إلا أنه وفي المقابل لا يجب أن نضاعف من آلام المحالين للتقاعد عبر أساليب يمكن وصفها بألا إيجابية في تسليم رسائل التقاعد، بعضهم تفاجأ بها بدون مقدمات، وبعضهم طار لهم النبأ العظيم وهم في إجازاتهم الاعتيادية، وبعضهم بوغِتوا بمكالمات هاتفية، وبما معناه "رجاءً لا نريد أن نراك هنا بعد اليوم".
فهذه الأساليب الخاطئة تضيف أرقاما جديدة لقائمة الحانقين والناقمين والساخطين والمتذمرين، وبذلك تسود روح السلبية في المجتمع في حين أن روح الإيجابية كانت أبدا ودوما هي الهدف والغاية عبر تماسك وتلاحم كل أفراد المجتمع.
من ذلك نخلص إلى أننا بالفعل نفتقد لروح التواصل الاجتماعي المرموق ونتعامل بعيدا عن أبجديات ومسَلّمات علم النفس، وبعيدا عن حقيقة أن الإنسان له مشاعر وأحاسيس، وأن الطعنات المعنوية قد تغدو أكثر إيلاما من الطعنات الحسية، وأنها قد تخلّف أضرارا فادحة تماما كالطعنات الحسية، فالذين تصدوا لمهمة الإبلاغ لا علم لهم بأصول ومبادئ العلاقات العامة، فهؤلاء النفر الكريم وبهذا الطريقة التي تعاملنا بها معهم سنفتقدهم وإلى الأبد كإيجابيين في المجتمع وتلك خسارة فادحة بكل المقاييس.
هؤلاء الجرحى لم يجدوا ملاذا غير حسابات التواصل الاجتماعي ليبثوا بها آلامهم وأحزانهم جراء المعاملة غير اللائقة والطريقة اللا كريمة التي تم بها إنهاء خدماتهم والتي هي أقرب لجزاء سنمار.
ومع هذا وفوق هذا هناك الكثير من النماذج الطيبة في التعامل مع المتقاعدين وفي مد يد التواصل معهم بعد التقاعد فهم خبرات لا تقدَّر بثمن، وذلك من خلال الاحتفالات التقديرية والهدايا اللائقة لما قدّموه للوطن، وتلك نجدها بالطبع لدى قوات السلطان المسلحة وشركة تنمية نفط عُمان ووكالة الأنباء العمانية التي أقامت احتفالية بسيطة للمتقاعدين وإذ هي تنظر إليهم كإخوة وأعزاء قدّموا خدمات جليلة ستبقى أبدا محل تقدير وإشادة.

نامل أن نحسِّن من طرق ووسائل ووسائط التعامل مع إخواننا وزملائنا المتقاعدين، فهم كانوا وسيظلون جزءا عزيزا من منظومة الدولة ولولا هم لما كنا نحن، بهذا المنظور فقط يجب علينا التعامل مع هؤلاء الأعزاء الأوفياء، وليكن خطابنا لهم بأنهم أبدا سيظلون في حدقات العيون حبا ووقارا.