بقلم: علي بن راشد المطاعني
من الدروس التي يجب أنْ نتعلّمها من جائحة فيروس كورونا، حوكمة الشركات الخاصة في السلطنة لمعرفة ملاءتها المالية وقدراتها، والاحتياطيات النقدية التي يفترض إضافتها كل عام من صافي الأرباح لـ (اليوم الأسود) مثلما هو معمول به في شركات المساهمة بتحويل نسبة 20% من الأرباح للاحتياطيات، ومن خلال ذلك تستطيع الشركات أنْ تتكيّف مع الأزمات والظروف الاستثنائية والطارئة كالتي نعيشها في الوقت الراهن.
وهو ما يتطلب من الحكومة أنْ تفرض حوكمة على الشركات الخاصة والكبيرة منها على وجه الخصوص، وربط ذلك بالكثير من المزايا والتسهيلات لها مثل ألَّا تشتري أو لا تُرسي أي عقود أو مشتريات أو مناقصات إلا للشركات التي لديها حوكمة؛ لكي تقف الحكومة بنفسها على قدرات هذه الشركات من عدمه.
فهذه الشركات يجب أن تعمل بموجب معايير تُسهم في إيضاح أوضاعها وإمكانياتها وأوجه الخلل فيها لتلافيها كشرط للحصول على أي مشروعات وأعمال في السلطنة.
بلا شك أنَّ الأزمة الحالية كشفت عن الكثير من أوجه الخلل في الشركات في هذا الجانب؛ فالكل يتباكى الآن عبر نحيب مفاده بأنه لا يستطيع أنْ يواكب تداعيات الأزمة وتأثيراتها، ويسعى للنأي عن التزاماته الوطنية والاجتماعية، على الرغم من أنَّ أحجامها ومشروعاتها وأعمالها في البلاد والمشاهدة بالعين المجرّدة خلافا للفيروس تعكس غير ذلك، وهو ما يفرض على الحكومة مراجعة ذلك الواقع اللا منطقي جملة وتفصيلا، وصولا لفرض الحوكمة بكل معاييرها واشتراطاتها الصارمة والعادلة في نفس الوقت وذلك كالتزام يجب أنْ تقدّمه سنويا يتضمن حتمية تعزيز الاحتياطيات النقدية لديها لمجابهة مثل هذه الظروف والأزمات التي نعايش تداعياتها الآن، وباعتبار أننا كبشر لا نعلم ماذا سيحدث غدا.
اليوم، ها نحن نتحمّل ضريبة عدم حوكمة الشركات الخاصة بكل أشكالها ودرجاتها ولطالما قمنا بمراعاتها ودعمها درءًا لتأثيرات الأزمات عليها، ويوم حدث ذلك كان على حساب الكثير من الاستحقاقات المهمة أيضا، ودون أنْ نعرف مدى إمكانية الشركات وقدراتها من عدمه وربما حدث خلط ما بين المتمكنة منها والعادية فكانوا جميعهم سواء في هذا الشأن.
فهذه الشركات وبما أنّها غدت جزءا من اقتصادنا الوطني - كما أوضحنا - وبالتالي لديها عمالة وطنية كأمر طبيعي، وبناءً على ذلك يجب أنْ تعمل جاهدة على ضمان استمرارها بعيدا عن هواجس الاستغناء وتخفيض المخصصات، وهذا الضمان لن يتأتى إلا من خلال الحوكمة باعتبارها عاملا مهما في استدامة الشركات وتقوية عمودها الفقري ليبقى منتصبا في مواجهة الرياح والأعاصير، وهناك اليوم تجارب كثيرة تتمثل في القطاع المصرفي وشركات المساهمة العامة التي تُفرض الحوكمة عليها من قِبل البنك المركزي العُماني والهيئة العامة لسوق المال، من بينها تعزيز الاحتياطيات المالية ووضع مخصصات للديون المعدومة والخسائر وغيرها من المعايير التي تُسهم في الحفاظ على هذه الكيانات متماسكة وتسود أروقتها النزاهة والشفافية في كل تعاملاتها الإدارية والمالية.
بالطبع البعض قد يرفض مثل هذه الأفكار باعتبار أنّ هذه الشركات أملاك خاصة تأخذ ولا تعطي، لكن المصلحة العامة تُملي علينا فرض مثل هذه الشروط والمعايير لضمان سلامة الشركات نفسها وأصحابها والأهم استدامتها.
نأمل من الحكومة أنْ تُولي هذا الموضوع أهمية كبيرة من خلال سن التشريعات التي تُفضي لحقيقة أنّ الحكومة لن تتعامل مستقبلا مع شركات لا تتوفر فيها ولديها معايير الحوكمة وفقا للنُظم المعمول بها، ولتصحيح مسارها بعد وضع تجربة الجائحة أبدا في الاعتبار.