أجندة الصين التالية

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٠/أبريل/٢٠١٦ ٠٠:٣٥ ص
أجندة الصين التالية

مارتن فيلدشتاين

عدت مؤخراً من بكين، حيث قضيت أسبوعاً أتحدث إلى مسؤولين صينيين وأحضر منتدى الصين للتنمية، وهو التجمع السنوي الأكبر للمسؤولين الكبار الأجانب والصينيين وكبار المديرين التنفيذيين التجاريين. كانت الصين قد أصدرت للتو خطتها الخمسية الثالثة عشر، وكان المسؤولون متشوقين لتوضيح ما تعنيه الخطة لمستقبل الصين.
برغم أن الخطة الأخيرة تحوي قائمة لا نهائية كما يبدو من الأهداف والمشاريع المحددة، إلا أن الموضوع الرئيس الجديد هذا العام هو "إعادة هيكلة جانب العرض"، وهو مصطلح يشمل مجموعة واسعة من السياسات التي تستهدف تعزيز النمو الاقتصادي ومستويات المعيشة. يُقصَد بمصطلح "جانب العرض" التفرقة بين هذه السياسات الجديدة وبين إجراءات جانب الطلب التقليدية التي تستهدف بالفعل تقوية النشاط الاقتصادي، مثل النقود السهلة والعجز المالي الأكبر قليلاً.
ومن أولويات قائمة سياسات جانب العرض إزالة بعضٍ من السعة الزائدة للشركات المملوكة للدولة في صناعتي الصلب والفحم. يعني هذا الاستغناء عن حوالي أربعة ملايين عامل، وهو رقم يساوي حوالي 0.5% من القوة العاملة الصينية. تفوّض الخطة صندوقاً خاصاً في تقديم المساعدة لأولئك الذين سيظلون عاطلين عن العمل. يعتقد الخبراء أن هناك حاجة إلى قدر أكبر كثيراً من تخفيض أعداد الموظفين، ولكن السلطات سوف تبدأ بقدر ضئيل كي ترى مدى النجاح وتراقب استجابة الشعب.
كما ستنقل الصين ملايين الناس من المناطق الزراعية قليلة الإنتاجية إلى عشرات المدن الجديدة، برفقة خطط طموحة لبناء 50 مطاراً جديداً وسكك حديدية وطرق تبلغ آلاف الأميال. كما تروج السلطات أيضاً مشروع "حزام واحد، طريق واحد"، الذي سيستخدم موارد ومعونة مالية صينية في تطوير موانئ وسكك حديدية وطرق سريعة تصل الصين بأجزاء أخرى من آسيا وآسيا الوسطى وربما حتى أوروبا. إن الهدف المرتبط بالسياسة الخارجية هو توسيع مجال التأثير الصيني في المنطقة وخارجها. كما ستوفر أيضاً الفرصة لتصدير بعضٍ من السعة الصناعية الصينية الزائدة.
إضافةً إلى ذلك، ينوي المسؤولون تحفيز الإبداع عن طريق البحث والتطوير، بتخفيض معدلات الضريبة المفروضة على شركات التكنولوجيا المتطورة. وسيوسع الإصلاح الضريبي كذلك ضريبة القيمة المضافة الصينية لتشمل القطاع الخدمي. وستزيل الإصلاحات المالية حدود معدلات الفائدة التي يمكن للبنوك دفعها على الإيداعات وتحصيلها كرسومٍ للقروض.
وفي الوقت نفسه، هناك ارتباك قوي بشأن نظام صرف العملة الأجنبية الصيني الجديد. لقد أثار تراجع الرنمينبي في مقابل الدولار في السنوات الأخيرة شكاوى من الشركات الأمريكية التي تنافس المنتجات الصينية. ولكن الرنمينبي ازداد قوةً بنسبة 25% بالنسبة إلى عملات الدول المتقدمة الأخرى منذ عام 2010. تَعِد السلطات بالسماح للسوق بتحديد سعر الصرف، وبأنه ليس هناك سبباً للتراجع المستمر. ولكن يظل المسؤولون يشيرون إلى حركة الرنمينبي في مقابل الدولار لأنهم يخشون أن يدلل التأكيد على إدارة سعر الصرف في مقابل سلة عملات على المزيد من التراجع في مقابل الدولار، وهو توقع قد يزيد تدفق رؤوس الأموال إلى الخارج.
تقع السياسات الرامية إلى تحسين البيئة أيضاً ضمن الأولويات على أجندة الحكومة للخمسة أعوام التالية. يتشوق الشعب لأرض وأنهار وهواء أنظف. ولتحقيق هذه الغاية، تعتزم الحكومة تبني قواعد جديدة وإنشاء "سندات خضراء" لتمويل المعالجة البيئية ومصادر الطاقة المنخفضة الكربون. تشجع الحكومة شركات السيارات الصينية على إنتاج سيارات هجينة، وتحذر شركات السيارات الأجنبية من أنها ستتخذ خطوات لتقليل حصتها من السوق إذا لم توفق أوضاعها.
يتطلب تحسين جودة الحياة كذلك تعزيز جودة المنتجات التي يمكن للمستهلكين الصينيين شراؤها. أشار أحد وزراء الحكومة في منتدى الصين للتنمية إلى أن المليون سائح الصيني الذين سافروا إلى الخارج العام الماضي استخدموا بطاقاتهم الائتمانية لشراء ما تبلغ قيمته مليار دولار تقريباً من البضائع التي لا يمكنهم الحصول عليها في وطنهم (مشيراً إلى المفارقة المتمثلة في أن بعض هذه البضائع ذات العلامات التجارية الأمريكية والأوروبية مصنعة في الصين في حقيقة الأمر).
ما زالت الصين دولة ذات دخل منخفض، إذ أن نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي لا يتجاوز 14 ألف دولار، وهو حوالي ربع نظيره في الولايات المتحدة. برغم أن بكين وشنغهاي مزدهرتان نسبيا، إلا أنه ما زال هناك الكثير من الفقر. ومن الأمور الكاشفة عن الوضع أن تحقيق هدف الخطة الخمسية الخاص بالقضاء على الفقر بحلول عام 2020، والذي يتطلب خفض أعداد الفقراء بنحو 55 مليونا، يستلزم تحديد خط الفقر بـ 354 دولاراً سنويا، أي أقل من دولار واحد يوميا.
قد يمثل ارتفاع مستوى الديون المستحقة على الشركات الصينية مصدراً لعدم الاستقرار المالي، على الرغم من تأكيد العديد من المسؤولين عدم قلقهم. تظهِر البيانات الحكومية أن نسبة القروض المصرفية إلى الناتج المحلي الإجمالي هي حوالي ضعف النسبة في الولايات المتحدة. والأكثر إثارةً للقلق هو أن حصة القروض غير العاملة ربما تكون كبيرة لدرجةٍ خطرة.

أستاذ الاقتصاد بجامعة هارفارد، ورئيس فخري للمكتب الوطني للبحوث الاقتصادية