بقلم: علي بن راشد المطاعني
في الوقت الذي أكّد فيه حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله - على حرية التعبير وصونها في خطابه للمواطنين عندما قال (الحقوق والحريات مصانة، بما في ذلك حرية التعبير التي كفلها النظام الأساسي للدولة)، إلا أنَّ بعض الجهات لم تعِ مضامين ذلك الخطاب ولا معناه الدقيق ومن ثم ترجمته بشكل يتماشى مع الواقع وما هو مطلوب منها في إدارة الرأي العام، فقد تابعت في الفترة الماضية تهديدات بعض الجهات الحكومية للعديد من المغرّدين في وسائل التواصل الاجتماعي والتلويح باستخدام الإجراءات القانونية ضدهم في سياق ردها على ما أُثِير حول أدائها ونتائجها باعتبارها مؤسسات عامة يطالها النقد البنّاء كأمر طبيعي وفي إطار التطلع لأداء أفضل، إذ لا يجب أنْ تكون حساسة بهذا النحو، بل ينبغي أنْ يتسع صدرها لتقبُّل هذه الأطروحات كجزء من التغيّرات التي يجب أنْ تطال نمط تفكيرها في كيفية إدارة الرأي العام، ومما يؤسف له أنَّ بعض الجهات المُناط بها حماية المجتمع تتبنّى ذات الاتجاه.
الأمر الذي يتطلب من هذه الجهات التروّي والتريث في تعاطيها مع الرأي العام وعدم ملاحقة الرأي الآخر إذا لم يمس المحظورات الخاصة بالنشر وفقا للقوانين المعروفة والمعمول بها في البلاد.
بلا شك أنّ حرية التعبير في البلاد مُشار إليها في منطوق المادة 29 من النظام الأساسي للدولة التي تؤكد (حرية الرأي والتعبير عنه بالقول أو الكتابة وسائر وسائل التعبير مكفولة في حدود القانون)، وكذلك المادة 31 التي نصّت على أنّ (حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة وفقا للشروط والأوضاع التي يبيّنها القانون ويُحظر ما يؤدي إلى الفتنة أو يمس بأمن الدولة أو يسيء إلى كرامة الإنسان وحقوقه).
إذن لغة التهديد لم تعد هي المناسبة ولا يجب أنْ نخاطب بها الناس أيا كانت الدواعي ما دام الحديث لم يلامس المحظورات المُعلنة والمُشار إليها في قانون المطبوعات والنشر وكذلك قانون تقنية المعلومات وغيرها من القوانين ذات العلاقة، وفيما عدا ذلك فإن للعامة أنْ يقولوا كلمتهم دون أنْ يُواجَهوا حتى ولو بالضجر أو التأفف، وباعتبار أنّ حق الرد والتعقيب مكفول لكل الجهات إيضاحا وتصويبا وتصحيحا، وهكذا تمضي مسيرة الحوار لمنتهاها بكل أريحية، وذلك يصب لا محالة في خانة المصلحة العامة التي تهم الجميع وهذه نقطة الكل يتفق حولها.
في الواقع نجد بأنّ الجهات التي لوّحت باتخاذ الإجراءات القانونية ضد منتقديها جوبهت برود أفعال قاسية وواسعة النطاق تلومها على ما أقدمت عليه، وأنّ هذا المنطق يتعارض مع شريعة دولة المؤسسات والقانون وإذ الجميع متساوون في الهم العام وليس هناك مواطن أكثر وطنية من آخر وتلك من البديهيات.
كان على الجهات التي رفعت عصا التهديدات والوعيد أن تستثمر تلك الملاحظات والانتقادات بصيغة أفضل من خلال تنظيم العمل لديها وبث روح الابتكار والتجويد في مفاصلها، عندها ستتساقط تلك الانتقادات من تلقاء ذاتها لافتقارها لعنصر الحقيقة وتذوب من تلقاء ذاتها في بوتقة الواقع الساخن.
من جانب آخر لا ينبغي تجريم النقد باعتباره مدخلا للتنفيس عمّا في الصدور، وجميعنا يعلم بأنّ الكبت عندما يتزايد قد يُحدث فرقعة على الأقل، ولا نرغب في أنْ نقول انفجارا، وبهذه العين الواقعية وحدها ينبغي أنْ ننظر للواقع بعقلانية وصبر.
بالطبع نحن ضد كل مَن يقوم باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل سيئ ومتعمَّد ولا يهدف لتقديم نقد بنّاء لتصحيح خطأ أو لتعديل مسار في الاتجاه الأفضل، ذلك لا نعتبره نقدا ولا حرية رأي، بل هو تنمّر شخصي وعدواني مرفوض.
نأمل أنْ نرتقي في التعاطي مع الرأي العام ونعمل على موافاته بما يرغب فيه من بيانات ومعلومات سدا لثغرات الإشاعات المغرضة وبعيدا عن لغة التهديد والوعيد.