تعرف على آثار وباء "كورونا" على الأسرة العمانية نفسياً واجتماعياً

بلادنا الأحد ٠٣/مايو/٢٠٢٠ ١٩:١١ م
تعرف على آثار وباء "كورونا" على الأسرة العمانية نفسياً واجتماعياً

مسقط - الشبيبة

ضمن جهود البرنامج الاستراتيجي لبحوث المرصد الاجتماعي بمجلس البحث العلمي في رصد التغيرات الاجتماعية وتسليط الضوء لدراستها وتحليلها، فقد نفذ البرنامج حلقة نقاشية بعنوان الأسرة العمانية في ظل أزمة كوفيد 19، جاء ذلك نتيجة لما تعيشه الأسرة العمانية اليوم في ظل المناخ النفسي والاجتماعي لتفشي وباء كوفيد 19 ، حيث فرض على الأسرة العمانية إحداث مجموعة من التغييرات استجابة لقرارات اللجنة العليا للتعامل مع كوفيد 19 بما فيها من تطبيق سياسة التباعد الاجتماعي أو كما تسميه منظمة الصحة العالمية" التباعد الجسدي"، والتي أحدثت تغييرات في الأدوار والوظائف داخل النسق الأسري الواحد، مما جعل المرصد يطرح تساؤلا مهما وهو ما واقع الأسرة في المجتمع العماني في ظل انتشار كوفيد 19؟.

هذا ما تم النقاش حوله افتراضيا وذلك بمشاركة مجموعة من الأكاديميين والمختصين والمهنيين من مؤسسات مختلفة، بإدارة الحلقة من قبل الدكتور سعيد الظفري مدير برنامج المرصد الاجتماعي، وبإدارة الفاضلة صفية الهاشمية – أخصائية بحوث بالمرصد الاجتماعي.

أبرز التحديات
وعن أبرز التحديات النفسية والاجتماعية والأسرية والتربوية والاقتصادية والصحية التي تواجهها الأسرة العمانية خلال أزمة كوفيد 19، قدمت صاحب السمو السيدة الدكتورة تغريد آل سعيد، أستاذ مساعد بقسم علم النفس بجامعة السلطان قابوس، مداخلتها والتي أوجزتها في أن أكبر تحد نواجهه الآن أننا كنا نقضي غالب وقتنا خارج المنزل والآن يطلب منا البقاء كل الوقت بالمنزل، وقد تعودنا التأقلم في خارج المنزل أكثر من التأقلم على الجلوس فترة طويلة بالمنزل، والتعامل القريب المباشر والمستمر مع جميع أفراد الأسرة بسمات شخصياتنا المتعددة، ومن التحديات كيفية استثمار هذا الوقت الكبير المشترك بيننا، وكيف تلعب دورك الأسري والمهني في آن واحد وفي مكان واحد، وكيف يمكن أن تساعد أطفالك على التأقلم ومواجهة قلق الدراسة خاصة طلبة الثاني عشر.

ولربط الحلقة النقاشية بواقع ما يحدث في تجارب الحجر الصحي المؤسسي الذي وفرته الحكومة للقادمين من خارج السلطنة، فقد شاركت الفاضلة عاتكة الحسينية وهي طالبة دكتوراة في المملكة المتحدة بتجربتها في الحجر الصحي المؤسسي بعد عودتها إلى السلطنة والتي تفيد ان هذه التجربة لم يسبق لها مثيل، فبرغم التجهيزات والتسهيلات الموفرة في الحجر المؤسسي إلا أن ثمة تحديات واجهتها خاصة وأنها أم لخمسة أطفال، تحدثت عن كيف لها أن تدير وقت الأطفال وترعاهم في الحجر المؤسسي فضلا عن متطلبات الدراسة عن بعد في ظل هالة القلق والخوف المنتشر.

وفي ضوء الحديث حول التحديات النفسية فقد أشارت الدكتورة الفاضلة منى الشكيلية وهي استشارية ورئيس قسم طب نفسي أطفال ومراهقين بمستشفى المسرة أن الفرد يشعر بمشاعر من القلق والتوتر والخوف من الإصابة به او فقد أحد من أهله بسبب هذا الوباء، والشعور بالضغوطات النفسية نتيجة المكوث الاجباري في البيت، كما أشارت إلى مشاعر الوصمة التي يخاف الناس منها، وتظل تلاحق من أجبروا على الحجر المنزلي أو المؤسسي فضلا عن المصابين بالمرض.

وأشار د. ناصر عبد الرشيد وهو أستاذ مشارك في الارشاد النفسي بجامعة ظفار بأن آثار الجائحة النفسية تعتمد بشكل كبير على شخصية الفرد ونوعية الحياة لدى أسرته، فبعض الأفراد قد يزداد لديهم التأثر السلبي، لذا يرى أن السمات الشخصية تؤثر على التكيف النفسي سلبيا مع هذه الجائحة، من جهته وحول التحديات الاجتماعية فقد ذكر د. ناصر الجهوري - ملحق ثقافي في سفارة سلطنة عمان بدولة الامارات العربية المتحدة- بأن أبرز التحديات الاجتماعية هي التباعد الاجتماعي وآثاره على الترابط وصلة الرحم، وتأثر الممارسات الاجتماعية والمشاركة في الأحداث الاجتماعية والدينية، وتوقف الناس عن اللقاءات الاجتماعية.

وفيما يتعلق بالتحديات الأسرية قال عدنان الفارسي مدير الأمانة الفنية للجنة الوطنية لشؤون الأسرة بأن أسرنا العمانية تتميز بالترابط الاجتماعي، وبالترابط الواسع بين الأجيال الثلاثة وهم الاجداد والأبناء والاحفاد، ولعل هذا الأمر أوجد تحديا نوعا ما لدى الأسر العمانية في الالتزام بتعليمات اللجنة العليا من حيث عدم التجمع والبعد عن الزيارات وتقليل الحركة قدر المستطاع والابتعاد عن الاماكن المزدحمة، أما عن التحديات التربوية فقد أعرب البروفيسور عبدالله أمبوسعيدي - أستاذ مناهج وطرق تدريس العلوم بجامعة السلطان قابوس ومدير مركز البحوث الانسانية في الجامعة عنها بوصفها التحدي الاعظم في هذه الجائحة وهي من جانب تعكس أهمية التعليم في حياتنا ويؤكد على المساحة الكبيرة التي يشغلها التعليم في السلطنة بالنظر إلى مؤسساته.

وفي نفس الإطار التربوي أوضحت د. مها العاني - مديرة مركز الإرشاد الطلابي بجامعة السلطان قابوس- أن هذه الأزمة ساعدت على بروز العديد من المشكلات السلوكية كون أفراد الأسرة يجلسون فترات طويلة داخل البيت مما برزت مشكلات قد يكون ولي الأمر لم يكن يلاحظها، ويضيف د. عصام اللواتي - أستاذ مساعد بقسم علم النفس بجامعة الشرقية- أن الابتعاد عن المدارس والجامعات يسبب الذعر من المستقبل التعليمي ، قد ينشأ الاحباط من طريقة التعليم بسبب تعليق الدراسة وعدم الاتصال المباشر مع المدرسة او الكلية او الجامعة، وفي معرض الحديث عن التحديات الصحية للأسرة العمانية في ظل هذه الجائحة، فقد أشارت د.منى السعدون – عضو مجلس الدولة وعميد كلية الطب والعلوم الصحية بجامعة السلطان قابوس - أن التحديات الصحية لا تقف عند القلق من الوضع الصحي في البلاد، بل يتعدى أثرها في التداعيات التي أفرزتها خاصة فيما يتعلق بتقديم الخدمات الصحية وعلى وجه أدق ممن لديهم أمراض صحية مزمنة.

وفي حديث د. علي العدواني - باحث تربوي في وزارة التربية والتعليم وأستاذ زائر بجامعة نزوى- عن التحديات الصحية يقول أن من ضمن تلك التحديات هو التوهم المرضي (توهم الإصابة بالفيروس)؛ مما نتج عنه كثرة الذهاب للمراكز الصحية والمستشفيات للكشف عن نتيجة المرض مما يزيد من عبء المؤسسات الصحية، وأضاف بأنه لوحظ ظهور السلوك غير الصحي للأبناء في ظل الحجر المنزلي من خلال المكوث أمام التلفاز لساعات طويلة وكذلك أمام الأجهزة والألعاب الإلكترونية مما ينتج عنه أضرار وآثار جسدية تتمثل في اصابة العين ببعض التلف وزيادة معدل السمنة، وأضاف د. محمد المعمري - مساعد العميد للشؤون الاكاديمية في الكلية التقنية بإبراء- أن التحديات الصحية تتمثل في عدم تمكن بعض المرضى من مراجعة المستشفيات لتوقيف بعض الخدمات الا للضرورة و الخوف من انتشار العدوى، كما تظهر بعض الصعوبات والتحديات التي تواجه الطاقم الطبي مع أسرهم كونهم على تواصل مستمر مع المرضى، وتظهر التحديات الصحية في العدوى بسبب عدم التزام البعض وحدوث تجاوزات بسبب الحجر المنزلي او المؤسسي.

استراتيجيات التكيف
كما تطرقت الحلقة النقاشية إلى مناقشة استراتيجيات التكيف بمجالاتها المختلفة في مواجهة أزمة كوفيد19، وفي هذا الصدد فقد أشار د. حمود النوفلي – استاذ مشارك في علم الاجتماع والعمل الاجتماعي بجامعة السلطان قابوس- إلى أنه لا بد من اتخاذ الأسرة بعض الاستراتيجيات للحد من آثار هذه الأزمة الوبائية ومواجهة التحديات التي تعترض سبيل العيش في هذه الأيام وأشار إلى ضرورة وضع برنامج يومي متكامل (رياضي، فكاهي، عائلي ، قرائي، عملي ..الخ)، والابتعاد قدر الامكان عن سماع الشائعات المتداولة، وعن الاستراتيجيات الاجتماعية أوصت الفاضلة وضحة العلوية - مديرة دائرة الارشاد والاستشارات الأسرية بوزارة التنمية الاجتماعية- بضرورة التواصل الحي (عن بعد) مع الاهل والاصدقاء، مستخدمين بذلك التكنولوجيا الحديثة ( التواصل صوت وصورة) لما في ذلك من تأثير إيجابي، فالإحساس بالترابط الاجتماعي عامل ايجابي مهم لتخطي آثار الأزمة الحالية.

كما ركزت صاحبة السمو السيدة الدكتورة تغريد آل سعيد على أهمية إدراك أن التحديات الناجمة عن الجائحة هي تحديات متداخلة في جوانبها الصحية والنفسية والأسرية، ولذلك عند التفكير في استراتيجيات فاعلة للتكيف لا بد أن تكون هناك جهود مشتركة على جميع الأصعدة؛ بدءا بالأسرة التي لا بد أن يكون لديها نظام لإدارة وقت الأطفال حتى لا يفرطوا في استخدام الأجهزة الالكترونية وذلك بتعزيز الأنشطة الرياضية الممكنة داخل البيت، كما ركز البروفيسور عبدالله أمبوسعيدي على التعامل التربوي مع الأطفال خصوصا، والأبناء الطلبة في المستويات المدرسية والجامعية عموما في ظل هذه الجائحة بألا نزيد الضغوطات التعليمية عليهم فالكل يعاني ويواجه تحديات في مسألة التعليم عن بعد.

ومن جهتها أشارت الفاضلة د. حفيظة البراشدية - مشرفة توجيه مهني بوزارة التربية والتعليم- إلى أن الأزمة دعمت استخدام التكنولوجيا أكثر وأصبح لا يمكن الاستغناء عنها وفي ضوء الحديث حول نتائج الدراسات التي أشارت إلى الآثار السلبية لاستخدام التكنولوجيا والإدمان عليها، وأوصت الدكتورة البراشدية إلى تقنين التعاطي مع التكنولوجيا وهذا الوقت يدعونا إلى التركيز في ايجابيات التكنولوجيا ممثلة في الألعاب الالكترونية التعليمية والترفيهية المفيدة وشغل أوقات الفراغ، وكذلك استمرار فعاليات الحي ولكن عن بعد كفعاليات مراكز تحفيظ القران الكريم والمحاضرات والمواعظ .

استراتيجيات التقليل من الجائحة
وكون هذه الجائحة لها بالغ الأثر على الدخل الاقتصادي للأسرة، تم التطرق إلى بعض الاستراتيجيات للتقليل من أثر الجائحة، ولعل أبرزها ما أفاد به د. ناصر الجهوري حول البدائل المتوفرة كالتسوق الالكتروني والمقارنة بين الأسعار واختيار الأفضل والتوازن في شراء المستلزمات والادخار بأكبر قدر ممكن وايجاد بدائل للوظائف المفقودة أو انخفاض الدخل وتنمية الخبرات المختلفة من خلال الالتحاق بالدورات التدريبية عبر الانترنت بكفاءة للوقت والجهد، وأوصى د. محمد المعمري بضرورة التفكير في حلول الثورة الصناعية الرابعة واستخدام الذكاء الاصطناعي وانترنت الأشياء، ويقترح لمن كان توقفت مشاريعهم الصغيرة والمتوسطة أن يجدوا حلولا لاستعادة العمل ولكن عن بعد بإيجاد بنية الكترونية على منصات التواصل الاجتماعي للتسويق والترويج، كما يمكن الاستعانة بشركات التوصيل كمندوب ودريول وغيرها.

وثمن المشاركون مبادرات مجلس البحث العلمي فيما يتعلق بتشجيع الابتكارات في مجال مساعدة الأطقم الصحية في التعامل مع الوباء، وأكدت المكرمة د. منى السعدون على البحث العلمي في مواجهة هذه الأزمة الوبائية إذ يعد ذلك من أهم الاستراتيجيات الفاعلة التي تساعدنا على دراستها بشكل علمي، كما أشاد المشاركون جهود برنامج المرصد الاجتماعي بمجلس البحث العلمي برصد الظواهر الاجتماعية، وأكدوا على أهمية انعقاد مثل هذه الحلقات النقاشية التي تساعد الأسرة في ظل أزمة كوفيد 19.