النساء في الإغاثة الإنسانية

مزاج الأحد ٠٣/مايو/٢٠٢٠ ١٨:٣٠ م
النساء في الإغاثة الإنسانية

تقف النساء العربيات في الخطوط الأمامية لأنشطة المساعدات الإنسانية المقدمة للمتضررين جراء الأزمات الكبرى التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط. وقد كانت المرأة العربية دائمًا جزءًا فاعلًا في الحراك الذي عرف بالربيع العربي، واستمرت مساهماتها في نصرة المستضعفين الذين لا يملكون القدرة على طرح قضاياهم والدفاع عنها، وفي مد يد العون لللاجئين الذين شرّدتهم الحروب، وضحايا الكوارث الطبيعية المدمّرة.

هذه الرسالة الإنسانية تحتاج أيضًا أن تكون مهنة تمتهنها المزيد من النساء اللاتي يدعمن حركة الإغاثة الإنسانية خاصة في الأوقات الحرجة والأزمات الطاحنة التي تجتاح العالم.

تقديم المساعدات من خلال حركة أطباء بلا حدود (MSF)
تقول "جيهان بسيسو" المدير التنفيذي لمنظمة أطباء بلا حدود في لبنان أن الأسباب التي دفعتها للانضمام إلى حركة أطباء بلا حدود ما زالت هي نفس الأسباب التي أبقت جذوة حماسها متقدة بعد انضمامها بنحو إحدى عشر عامًا.

"تأتي على قمة هذه الأسباب الاستقلال المالي للحركة – 97% من تمويلات أطباء بلا حدود تأتي من تبرعات الأفراد. يعد هذا أمرًا ضروريًا في منطقة وعالم تتزايد فيهما التأثيرات السياسية. تستمد الحركة قوتها من قدرتها على العمل بشكل مستقل في خدمة من يحتاجون المساعدة، ويعني هذا الاستقلال أن القرارات التنفيذية لمنظمة أطباء بلا حدود تعتمد في اتخاذها على الأكثر احتياجًا لخدماتها. هذا الأمر هو ما يهمني."

تعد القدرة على التحدث العلني وتمثيل من لا يملكون صوتًا يمكنهم به التعبير عن أنفسهم من المبادئ الأساسية التي تبنتها حركة أطباء بلا حدود والتي جذبت إليها "بسيسو" وتوافقت مع شخصيتها ككاتبة. تشرح "جيهان بسيسو" وجهة نظرها:"نحن منظمة إنسانية طبية تعمل على الأرض، وفي نفس الوقت، يصل صوتنا إلى المجتمعات المختلفة عبر القارات. نستطيع التحدث علنًا بلسان الفئات المتجاهلة وغير المرئية بمختلف اللغات. نرفع صوتنا لمساندة الضعفاء ودعم كفاحهم للحصول على الرعاية الطبية الأساسية بأمان خلال أوقات الحرب، سواء كانوا على الأرض أو في البحر، في الأدغال أو في مخيمات اللاجئين."

من التجارب التي لا تنساها "بسيسو" على الإطلاق تجربة العبور إلى مصر من ليبيا في 2011، عندما بدأ الربيع العربي. عملت "بسيسو" أيضًا في باكستان وأفغانستان، عندما كانت فرق أطباء بلا حدود تقدم المساعدات الطبية الميدانية التي كان المتضررون في هذه المناطق في أشد الحاجة إليها.تتحدث "بسيسو" عن واحدة من أصعب التجارب التي خاضتها:

"من الصعب حقًا اختيار مكان واحد لا ينسى، ولكن المعاناة التي شهدناها أثناء زيارتي إلى الجزيرة اليونانية في العام الفائت، حيث تكدّس الآلاف من اللاجئين العالقين في ظروف مهينة وغير آمنة، لا تغادر ذاكرتي."

"بالتأكيد أشجّع الآخرين على استكشاف العمل مع منظمات الإغاثة الإنسانية. قد يكون الأمر مجهدًا ولا يخضع للتوقعات، ولكن هذا هو حال العالم الذي نعيش فيه، ولا أستطيع التعبير بشكل كاف عن الطبيعة الملهمة والمبدعة للعمل الإنساني وما يجنيه المرء من ثمار ممارسته."

تقديم المساعدات من خلال الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر (IFRC)
ترأس "رنا صيداني كاسو" فريق الاتصالات في الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمرفي 21 دولة من دول المنطقة. ويقع على عاتقها مساندة القضايا الإنسانية وتسليط الضوء على المجتمعات المحلية المهمّشة التي تدمرها الكوارث والنكبات.

في خلال أربعة عشر عامًا قضتهم في العمل مع المنظمة، كانت "كاسو" شاهدة عيان على عددًا لا يحصى من المآسي كالفيضانات والزلازل المفاجئة في إيران، وتفشي شلل الأطفال في سوريا، ومخيمات اللاجئين عبر المنطقة وغيرها من الفواجع الإنسانية.

نزلت "كاسو" إلى الميدان في غضون ثمان وأربعين ساعة من زلزال "بام" في عام 2003، والذي حوّل مقاطعة "كرمان" في جنوب شرق إيران إلى أنقاض.
ذهبت "كاسو" إلى تونس أيضًا بعد غرق العديد من المهاجرين جراء انقلاب قاربهم في الطريق من ليبيا إلى إيطاليا. وهو من الأحداث التي لا تبرح ذاكرتها. في هذا الحادث، افترقت إحدى المهاجرات عن طفليها بعد تعرّض القارب للانقلاب بسبب العاصفة، واستطاعت الالتقاء بطفلتها، ولكنها ما زالت تجهل قدر طفلها الصغير.

تقول "كاسو" أن مثل هذه الأحداث المأساوية هي الجانب المحبط من هذا العمل الإنساني، غير أن ما يبعث الأمل في النفوس هي أعداد البشر الكبيرة التي استطاعت المنظمة وغيرها من المنظمات الإنسانية وطواقمها التي تعد "كاسو" واحدة من أفرادها، مساعدتهاوالتأثير في حياتها بشكل إيجابي فعّال.

غير أن "كاسو" تلفت الانتباه إلى حاجة هذه المنظمات إلى مزيد من العاملين، وخاصة من النساء اللاتي يمكنهن فهم الثقافة واللغة في مختلف المواقع واللاتي يمتلكن روح التعاطف والرغبة في المساعدة ليكونوا في صفوفها الأولى حيث أن هذا "يشكل فارقًا شديد الأهمية" حسب تعبيرها.

لم شمل العائلات
"سلمى بهجت" من النساء العربيات العاملات في مجال المساعدات الإنسانية في المنطقة، فهي مدير إدارة التقصي وإعادة الروابط العائلية في الهلال الأحمر المصري ((ERC، ويقوم عملها على إعادة الروابط العائلية بين الأفراد الذين انفصلوا عن عائلاتهم، والبحث عن المفقودين خاصة المهاجرين النازحين الذين فرقت الأحداث بينهم وبين عائلاتهم.

تقول "بهجت" أن عملها قد غيّر حياتها من خلال فتح عينيها على مآسي الحياة الحقيقية والتأثير الإيجابي للعمل الإنساني وأفراد طواقمه على حياة من لا ملجأ لهم.
وتعبّر "بهجت" أيضًا عن أمنياتها في أن تختار مزيد من النساء العربيات العمل الإنساني كرسالة ومهنة، فتقول:

"النساء العربيات يتمتعن بالقوة والرقة في نفس الوقت، وهو مزيج مثالي في العاملات في مجال المساعدة الإنسانية. أشجّع المزيد من النساء على الانخراط في العمل الإنساني، وستقودهن قلوبهن وليس فقط خطواتهن."