محمد محمود عثمان
التأثيرات الكاملة لسلبيات أزمة كورونا لم يلتفت إليها أحد حتى الآن،مع إنشغال العالم في تركيزكل الجهودعلى المواجهة الصحية والمحافظة على الأرواح ، في ظل الشلل التام لكل الأنشطة الاقتصادية والتجارية والاجتماعية ، الذي أصاب الجميع ، فقد أعلن صندوق النقد الدولي أن الاقتصاد العالمي قد يخسر 9 تريليونات دولار خلال عامين بسبب كورونا.،والاشكالية الأكبر تكمن في التأثيرات السلبية القادمة التي سببها الوباء من جهة ، واسلوب التعامل في المنشآت الاقتصادية الكبيرة والصغيرة والمتوسطة ، بعد أن شهد العالم أزمة صعبة لم يعشها منذ فترة طويلة أوقفت مسارات الحياة وعطلت دوران عجلة الإنتاج في معظم الدول، حتى تجمدت معظم الاستثمارات إن لن تكن جميعها ، والمخاطر تزداد في الدول والاقتصادات التي مثلت المناطق الطاردة للاستثمارفي السنوات الأخيرة وأدت إلى هروب الاستثمارات وإغلاق المصانع والتحول إلى مناطق أخرى ، ترى فيها الملاذ الآمن، بتوافر البنى الأساسية الحديثة وموارد الطاقة الرخيصة والتشريعات المنظمة لسهولة تحويل رأس المال والأرباح وسرعة فض المنازعات والإعفاءات الضريبية والجمركية ، ومستويات الأسعار والتضخم ،والأيد العاملة الرخيصة والمدربة وأسواق العمل المنتظمة التي تحترم آليات السوق من العرض والطلب للاستفادة من المهارات والخبرا ت المهنية والعلمية ، وتحقق المساواة في الحقوق والواجبات بدون تمييز للون أو الجنس أو الوطن ، وهذه بديهيات يتمسك بها أصحاب رؤوس الأموال في كل زمان ومكان، وتكون الأمور أصعب إذا أضفنا لها السلبيات الناجمة عن أزمة كورونا التي لم تتضح صورتها او حجمها كاملا أمام متخذ القرار، والتي تتخذ حيالها اجراءات سلبية مثل تخفيض الأجور أو تسريح العاملين ، لأن الإدارة الرشيدة لا تبقي على العمالة الزائدة لديها ولا تنتظر كورونا أو غيره لتتخلص منها، لأنها حلول مؤقتة ليست بحجم الأزمة الحقيقي ، لأن التفكير الايجابي يكمن في التخطيط للاحتفاظ بالعمال المدربين للاستفادة منهم في زيادة ساعات العمل والسباق مع الزمن والعمل 24 ساعة بنظام المجموعات لزيادة الإنتاج ولتعويض الخسائرأو الحد منها ، والاستثمار في شراء حصص بعض الشركات التي ترجعت اسهمها إيمانا منهم بأن الأزمة مؤقتة والأسعار ستعاود الارتفاع،لذلك مطلوب استراتيجية شاملة للتعافي وتكون للحكومات الدور الأكبر والأساسي فيها ، إلى جانب الشركات الكبرى والمؤسسات الصغيرة للاستعداد من خلال خريطة طريق محددة وواضحة المعالم، بكل خطواتها التنفيذية القادرة على التطبيق والتنفيذ السهل والسريع ،الذي يناسب كل المراحل التي نخطط للعمل خلالها ،ولتبدأ حتى في ظل وجود جائحة كورونا ،والإعلان عن خريطة الاستثمارات الجديدة ودراسات الجدوى ومدى جاهزيتها ومراحلها ومصادر التمويل المتاحة والتسهيلات الممكنة ، التي تحقق التوازن والثقة في السوق ،وهذا ما نؤكد عليه في كثير من المقالات السابقة ، حتى نصل إلى مرحلة التعافي ، من خلال منظومة تشريعات متطورة ومتسقة ومنفتحة ،و إجراءات سهلة وسريعة ومميكنة الكترونيا،إلى جانب الشفافية والإفصاح والرقابة الصارمة والمرنة ، وإجراءات التحكيم السريع في المنازعات،والقضاءالحازم والناجز والعادل، والإعلام الواعي والفاهم والمتخصص والمؤثر، الذي يتصدى للفساد والبيروقراطية ، ويسلط الأضواء بموضوعية على السلبيات بشكل مهني غير مبالغ فيه، بالإضافة إلى وجود سوق عمل حر ناضج ومستقر وثري بالخبرات والكفاءات الفنية والإدارية ، ومدرك لأهمية تفعيل المواثيق الدولية المعنية بحقوق العمال المهاجرين وأسرهم.
فوق كل ذلك التأكيد على الالتزام الحقيقي بكل تلك العناصر التي تخلق المناخ الاستثماري الجيد والمواتي والجاذب ،وهذه هى الضمانات الأساسية للثقة في الاقتصاد ، ولجذب الاستثمارات واستقرارالمنظومة الاقتصادية ، التي تساعد على الانطلاق في الاستثمارات بدون تخوفات أو شعور بالمخاطر، لأن الأمر الخطير في هذه المرحلة هو استسلام صناع القرار للمخاوف المستمرة من كورونا ، واعتبار أن الوضع خارج عن إرادتهم، وتجاهل سلبيات ذلك على المدى الطويل ، ومن ثم نجد أنفسنا أمام مقولة " من لم يمت بكورونا مات بغيره " عندما تعجز الاقتصاديات عن مواجهة المتطلبات المعيشية والصحية والتعليمية للناجين من الكورونا ، أو عندما تعلن بعض الدول إفلاسها لأن الكارثة أن ينهار الاقتصاد ونحن في موقف المتفرجين،فلا نجد الاستثمارات ولا أسواق المال ولا السياحة ولاالإنتاج ولا الخدمات ولا الوظائف ، ولا عائدات النفط ، وتتوقف الآلات والمصانع وتعجز البنوك عن الوفاء بالتزماتها أو تقديم خدماتها للمستثمرين وللشركات أو لأفراد المجتمع ،ويعم الركود والكساد، ونصبح في حاجة إلى معجزة في عصر انتهت فيه المعجزات ، فالدول الآوربية تفكرالآن في مشروع "مارشال " لانقاذها من تأثيرات كورونا -ومشروع مارشال هو المشروع الاقتصادي لإعادة تعمير أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية - والدول العربية بمالديها من امكانيات ليست أقل من هؤلاء ويمكنها أن تفعل أكثر من مشروع "مارشال " الأوروبي لتنقذ نفسها، وتستقضب الاستثمارات العالمية الحائرة ،ولكنا لا نفكر أو نفكر ببطيء، وربما بعد أن تفوت الفرصة.