في معنى الأنوثة

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٠/أبريل/٢٠١٦ ٠٠:٠٦ ص
في معنى الأنوثة

يقول لي ألّا تبالغ في ثنائك على المرأة وتقديرها؟ أليس هذا نهج الشعراء ليكسبوا النساء إلى صفوفهم. فيكثر محبوهم وقراؤهم؟ أم أن القصيدة تقتضي هذا الغلو في رفع شأن المُلهِمة كعادتهم في كل ما يكتبون؟

تكثر أسئلة صاحبي المنطلِقة من فهم تقليدي للشعر والشعراء وكأنهم واحد بأسماء كثيرة، فيما الواقع أن كل شاعر هو حالة قائمة بذاتها وإن كان ثمة سمات وعلامات فارقة قد يشتركون بها. نكتب هنا عن الشاعر الرجل الذي تمثّل المرأة أبرز مصادر وحيه وإلهامه، والعكس صحيح لو كنّا نكتب عن الشاعرة المرأة، ولعلنا نعود لاحقاً إلى ما يمثله الرجل في شعر النساء، علماً أننا من القائلين بإنسانية الكاتب قبل جنسه، وإن كان لكل من الجنسين خصائص وحساسيات تميزه عن الآخر، الأساس أنهما ينطلقان من الأرضية نفسها، وهي الإنسانية التي تجمعهما وتميزهما عن بقية الكائنات.
أعود إلى أسئلة صاحبي لأقول إن الشعراء ليسوا واحداً في نظرتهم إلى المرأة ولا في كيفية استلهامها، حتى لو كان معظمهم يرى فيها ما يراه من ينابيع الهام. نعرف جميعاً أن شعر الحُبّ عند العرب منذ عنترة وقيس وعمر وجميل فيه الحسِّي وفيه العذرِّي، أما المعاصر منه فيمثل نزار قباني أبرز رموزه بما له وما عليه في نظرته للمرأة. الحال، أننا لا نستطيع إطلاق أحكام شمولية لأن المرأة في قصيدة نزار غيرها في قصيدة محمود درويش على سبيل المثال، ولعل لكل شاعر امرأته المختلفة عن النساء جميعاً، وخصوصاً عن نساء الشعراء الآخرين.
أكتب المرأة لأنني أعيشها، كيف؟ لا أحبذ تكرار الجمل التقليدية عن أنها الأم والأخت والزوجة والابنة وسواها من مسميات القرابة والنسب. أنتسب إلى المرأة الإنسان والى المرأة الأنثى، وأعيش كل ما تضفيه عليَّ من إنسانيتها أو من أنوثتها، من أمومتها أو من شغف الحبيبة، من رقَّة الصداقة أو من حنان الابنة، أراها في مختلف حالاتها جديرة بالحب والاحترام والقصيدة. فالقصيدة منها واليها، أكتب لها لا عنها، لأجلها ولأجلي، لأنني متى انتصرتُ لإنسانيتها انتصرتُ لإنسانيتي، ولا أفاضل بين إنسانيتها وأنوثتها لأن كلاهما واحد، أو لِنَقُل أنهما واحدٌ مثنى، رافدان في نهر الوجود.
لِمَ أكتبُ لها لا عنها؟ لأن الكتابة «عن» توقعنا أحياناً في الوصف، في البرّانية التي لا تنفذ إلى الأعماق، أما الكتابة لها فأزعم أنها أكثر عمقاً وجوَّانية. مثلما أكتبُ لها أكتبُ منها، مما تفيضُ به إنسانيتها وأنوثتها في آن، وهما أيضاً واحدٌ مثنى. أكتبُ للإنسان لأنني إنسان وكفى، وأكتبُ للأنثى لأن العالم تنقصه أنوثة. منذ قرون غابرة ونحن نعيش تحت وطأة الذكورة المفرطة، الخشنة القاسية، التي أنتجت على مَرِّ التاريخ الحروب والويلات. يقول قائل ألا تلاحظ أن النساء اللواتي حكمن فعلن الأمر ذاته؟ بلى، لكنهن حكمن بعقلية ذكوريّة ضمن آليات ذكوريّة في مجتمعات ذكوريّة. ما أرمي إليه هو تأنيث الحياة وآليات الحكم فيها(!). تستغرب؟ يا سيدي لنجرَّب، ما الذي يمنع؟ تخيَّل لو أن الأمهات حكمن العالم، أو العاشقات. ماذا؟ أيخربُ العالم؟ هو خَرِبٌ على أية حال، لِنجرب، نكسب شرف المحاولة أليس كذلك؟
دعنا من أضغاث الشعراء(!) ما نعنيه بتأنيث العالم هو استلهام العقل الأنثوي والعاطفة الأنثوية في مقاربة المسائل، وتحريرها من كل ما يكبِّل طاقاتها ويمنع انطلاقها. عالم اليوم في أفضل حالاته يسير على قدم واحدة، حتى في البلدان المتقدمة لا نزال نحتاج الكثير لتحقيق المساواة، أما بلادنا فحدِّث ولا حرج، لا نزال في كهوف الظلم والظلام، ثمة مَن يقيم فعالية تحت عنوان «هل المرأة إنسان؟»(!) ولا تريدني أن أنتصر للمرأة وحقها في الحياة أو في القصيدة.
الأنوثة حياة، خصبٌ وتجدد وكوامن لم نكتشفها بعد، منجم الهام لقصيدتي، وملاك نجدة لتحمُّلِ أعباء الحياة، لذا كثيراً على الشعراء الاحتفاء بالمرأة والانتصار لحقها في الحياة بلا قيود وأغلال تكبِّل طاقاتها وإمكانياتها، خصوصاً في هذا الشرق العربي الذي يقوم نصفه بتعطيل نصفه الآخر، وتطغى فيه الذكورية الفجة الغليظة على حساب الأنوثة الحانية، وكذلك على حساب الرجولة وما تعنيه من مروءة وشهامة وغيرية.
الحياة السوية إنسان، والإنسان امرأة ورجل معاً، بغير ذلك تظل الحياة كسيحة لا تقوى على التقدم إلى أمام.
الأنوثة عندي فعلُ الحُبّ والحياة.
كتبتُ ذات قصيدة:
أنوثتكِ ليســت شـــــكلاً ولا فســــتانَ سهرة
أنوثتكِ قلبٌ يفيض
وضحكةٌ تجري من تحتها الأنهار.