موسيقى تجمع هويّات مختلفة

مزاج الاثنين ٢٧/أبريل/٢٠٢٠ ٢١:٠٠ م
موسيقى تجمع هويّات مختلفة

عبر سكايب، حاورت المغنية المغربية "أم" للحديث عن تأقلمها مع الواقع الجديد الذي فرضته جائحة كورونا، وأعمالها الفنية وأخبار موسيقية أخرى. "جديدي في زمن الكورونا أنني أصبحت معلّمة ابني، تجربة جديدة بالفعل"، هكذا أجابت أم الغيث بن الصحراوي المعروفة بـ "أم" على أول سؤال فرض نفسه على حديثنا؛ هي التي كانت قد عادت إلى المغرب بعد انتهاء الجزء الأول من جولتها الفنية على عدد من المدن الأوروبية لتقديم ألبومها الجديد "دَبا".

على غرار الملايين، وجدت نفسها محجورة في المنزل وتقول "أتمنى أن أمارس القليل من الموسيقى وأن أحاول الكتابة. لم يمضِ الكثير من الوقت على إصدار ألبومي الأخير ولم أتصور نفسي أبدأ الكتابة في أجواء مماثلة". لكنها تتابع "أريد أن أكون شاهدة على الأوضاع كما هي". إلا أنها مدركة أن هذا الوضع الاستثنائي الذي يفجّر رغبة وفضولاً كبيراً باختبار مختلف الأحاسيس لن يُطلق فوراً العنان لموهبتها الموسيقية. وتقول "هناك العديد من الأشياء التي يجب عليّ تنظيمها اولاً في البيت.

ففجأة وجدت نفسي مدرسةً ومسؤولة عن نظام البيت". قد تلعب "أم" اليوم دوراً آخر في حياتها اليومية لكنها طالما كانت تكتب وتُلحّن وتغنّي وتهوى الموسيقى والرسم والكتابة؛ وأم الغيث التي ترعرعت في مدينة مراكش، كانت قد درست هندسة معمارية قبل أن تتفرّغ للموسيقى وتُصدر خمس ألبومات حتى الآن. ولكن، كيف وصلت هذه المهندسة المعمارية إلى عالم الفن؟ وهنا تجيبنا أن الفن أتى إليها وليس العكس. وتضيف "كنت منطلقة في طريق آخر، وأن أكون مغنية أو موسيقية لم يكن ضمن مشاريعي.

فمنذ الصغر، كان أمراً حتمياً بالنسبة لي حصولي على دبلوم والعمل". وهنا تشرح لنا أن مهنة "موسيقي"- لاسيما قبل 20 عاماً وحتى اليوم - غير معترف بها كمهنة في المغرب. وبالفعل، أرادت أن يكون لها مهنةً معترف به وبدأت الغناء كهواية في الحفلات ثم العمل على أغانِ مع موسيقيين. حتى أنها لم تدرس يوماً الموسيقى. وهكذا، مع افتتاح الإذاعات الحرة في المغرب التي تبث موسيقى مغربية بديلة ما بين 2003 و2004، انطلقت مسيرة أم الغيث.

وتشدد "أم " أن الموسيقى البديلة، هي تلك التي تُغنّى بالمغربية العامية ليس على وقع أنغامٍ مغربية تقليدية أو حتى افريقية لا بل على وقع الروك والبوب والراب. وهكذا انطلقت مسيرتها الفنية مع تصوير أغنية ثم إصدار أول ألبوم لها عام 2009 لتفتح شركتها الخاصة للإنتاج وتتوالى تأليف وإصدار الألبومات الأخرى لكنّ اطلاقتها العالمية كانت مع ألبوم "روح المغرب" عام 2013. ولعلّ أبرز ما يميّز "أم" خامة صوتها الاستثنائية التي لا يمكنك ألا تعرفها متى استمعت إلى أي من أغانيها وأيضاً مزجها بين أنماط متنوعة من الموسيقى.

فهي تمزج، من جهة، بين أنواع الموسيقى المغربية التقليدية المتنوعة النابعة من المزيج الثقافي الأمازيغي والعربي والافريقي التي ترعرعت عليه، سواء في المنزل أو المناسبات الاجتماعية المختلفة مثل الأعراس، ومن جهة أخرى، حبها لموسيقى الجاز والروك والراب العالمية.

وهنا تقول "لا أستطيع القول إن هناك فنان خاص يلهمني لا بل مزيج من الألحان والأنغام". إلا أنها تشدد أنها لا تختار القليل من كل نوع موسيقي لتقوم بوصفة سحرية لا بل أن هذا المزيج يأتي تلقائياً لأن المغرب يمتلك هذا المزيج بشكل طبيعي. وهنا تضرب مثلاً قائلة "حين تذهبين إلى الشمال مثلاً، هناك ثقافة أندلسية وغرناطية.

أما الشرق الذي يقترب من الجزائر، فتجدين فيه القليل من الثقافة التركية.. وفي الجنوب، هناك القليل من الثقافة الافريقية التي أتت من السودان ومن غانا ولدينا الثقافة الامازيغية التي فيها تراث شاسع من الإيقاعات واللغة". ولعلّ أفضل ما يختصر موسيقى "أم" "قولها "موسيقتي أصنعها بشكل تلقائي وعفوي تماماً. مدرستي هي أذني".

مزيج عفوي يلقى تجاوباً من جمهور مغربي وإنما أيضاً عربي وأجنبي يتفاعل مع "أم" التي ترى أن التعبير الموسيقى يحرّك مشاعر تتحدى اللغة أو الانتماء الثقافي. حتى أنها لا تحبذ كثيراً وصفها بسفيرة الثقافة المغربية (حتى لو أنها فخورة بهذا اللقب) لأنها محاطة بفرقة من موسيقيين من مختلف الجنسيات ولأن الموسيقى الخاصة بها تتغيّر مع الوقت والعمر. فهي لا تؤمن أن الهوية جامدة غير قابلة للتغيّر أو محاصرة بإطار لكنها مجموعة من الأحاسيس والتجارب. وهنا تقول "هويتي ملكي وهي مسؤوليتي. طبعاً فيها المغرب وافريقيا لكن فيها أيضاً كل تأملاتي ورغباتي".

هوية متحركة تنعكس في كل أغانيها وتحديداً في ألبومها الأخير "دَبا" التي علّقت جولته الفنية بسبب الظروف. وتقول "دَبا"، أي الآن باللغة المغربية، هو ألبوم يعبّر عن هويتي المتحولة"؛ كامرأة تعبر إلى سن الأربعين وتتساءل عن نظرتها لكل ما يحيط بها وما تراه في المجتمعات التي تزورها لاسيما أنها تلاحظ مدى اختلاف سكان الأرض وانما أيضاً تشابههم في آن واحد. لا شك أن "أم" تأمل في استئناف جولتها الفنية وإعطاء ألبوم "دَبا" حقه قبل أن تؤلف أغانِ جديدة إلا أنها تشدد على أنها لا تريد التفكير بما بعد كورونا لا بل كيف ستقضي الوقت إبّانه.

وتقول "اليوم علينا التفكير بأشياء سهلة بديهية لكنها تشكل فرقاً. نتذكر كيف أننا بصحة جيدة وكيف نتنفس وكيف نضع كل قوانا وطاقتنا ووعينا كاملاً في لحظة الآن. وبذلك تتحول وتكون إيجابية ومفيدة ومن الضروري أن تكون اللحظة التي ستتبعها خطوة جيدة". وهكذا، على غرار كثيرين، تريد "أم" أن تقضي الوقت بأفضل طريقة ممكنة مع ابنها وفي بيتها وأن تحاول أيضاً، بفضل موسيقاها، أن تعكس ما تعيشه في داخلها وفي ذهنها من أحاسيس نتشوّق للاستماع إليها!