أسواق العمل تترنح

مؤشر السبت ١٨/أبريل/٢٠٢٠ ٢١:٣٤ م
أسواق العمل تترنح

محمد محمود عثمان
mohmeedosman@yahoo.com

أسواق العمل في جميع أنحاء العالم تتنرنح من وطئة "كورونا" نتيجة المعالجات المتباينة في مواجهته كوباء صحي، بدون الانتباه إلى المعالجات والتدابير الاقتصادية للآثار السلبية المؤكدة ،بعد الهلع والفزع الذي أصاب الجميع بلا تمييز ، فلم تفكر إلا بالمواجهة الصحية فقط ، من خلال النظم الصحية غير المستعدة أساسا لخوض هذه المعركة التي فرضت عليها قسرا ،وأصبح السؤال الأكثر الحاحا هو: إلى متى ستتمكن الشركات من الاحتفاظ بالأيد العاملة مع الوفاء بالتزاماتها ومنها دفع مستحقات الرواتب ، مع استمرار الأزمة ومع استمرار هبوط أسعار النفط؟؟
إن من أهم الآثارالمنظورة – وبعيدا عن التعمق في الآثار السلبية المدمرة على كل الاقتصاديات بلا استثناء – ما جاء في تقري منظمة العمل الدولية بأن الأزمة تلقي بآثار دراماتيكية على القوى العاملة في جميع أنحاء العالم، و إلغاء 6.7 %من إجمالي ساعات العمل في العالم في النصف الثاني من عام 2020، أي ما يعادل 195 مليون وظيفة بدوام كامل، من بينها 5 ملايين في الدول العربية وحدها ، كما يواجه العمّال خطر الوقوع في براثن الفقر وسيواجهون تحديات أكبر في العودة لأشغالهم خلال فترة التعافي ، ولا سيما مع تأثر نحو ملياري شخص يعملون في وظائف غير رسمية معظمهم في الدول النامية،وإن كان على غير العادة وعلى عكس الاتجاه السائد في تخفيض الأيد العاملة ، فقد فكرت دولة عربية وهى مصر بصورة إيجابية من خارج الصندوق في إصدار تشريع سريع من مجلس النواب يمنع فصل العمال بسبب أزمة كورونا ، حتى لاتتفاقم أزمة الباحثين عن عمل ،كما صرفت بالفعل إعانات عاجلة للعاملين في المهن الحرة في محاولة لرعاية حقوق العمال ولاحتواء جزء من الأزمة، لأن "كرورنا " بالتأكيد سوف يفاقم من أزمة الباحثين عن عمل ،وزيادة أعداد العاطلين في العالم بنحو 25 مليون شخص، وهى أرقام كارثية ومخيفة، في الدول التي لاتملك إمكانيات تقديم المساعدات للشركات والعمال خاصة في القطاعات الأكثر تضررا ، لتشجيعها على الإبقاء على الأيد العاملة الماهرة في وظائفهم، والاستغناء عن العمالة الزائدة حتى لا تتحمل اعباء اضافية وهي ليست في حاجة اليها،حيث افضل شخصيا ان تحافظ الشركات على الخبرات التى لديها حتى لا تخسرها وتتحمل تكاليف اضافية اذا احتاجت اليها فيما بعد، قبل أن تتخدذ تدابير قصيرة النظر، تفقد من خلالها العديد من الخبرات المدربة على العمل والإنتاج، مثل خفض العمالة أو تسريحها تحت أي مسميات أواستحداث تشريعات جديدة للضغط على الايد العاملة الوافدة للتخلص منها ، على عكس ما تنص عليه معاهدات ومعايير العمل الدولية خاصة إذا كان يخضع الجميع لنفس بيئة وظروف العمل.

في هذا الصدد أعلن " جو كيزر " رئيس شركة سيمنس الألمانية للصناعات الإلكترونية والهندسية أن الشركة لا تعتزم شطب وظائف لديها ،ولن يرحل أي شخص عن شركة سيمنس بسبب التقلبات المؤقتة في التوظيف "
خاصة أن القانون الألماني ينص على تقديم التعويض في حدود 10000 يورو، إذا كان رب العمل لديه من عامل إلى خمسة عمال، وإذا كان عدد العمال يزيد عن خمسة إلى خمسة عشر، فإن التعويض قد يصل إلى 15000 يورو"، و قررت المحكمة االدستورية والمحكمة الاجتماعية في المانيا إيواء كل العالقين الأجانب ، وصرف 1000 يورولكل منهم ، حتى يتم فتح المطارات وعودتهم إلى بلادهم ، وصرف 60% من قيمة الراتب الشهري لكل العاملين في القطاع الخاص الذين يعملون ليوم واحد فقط في الأسبوع على أن تتحمل الشركات 20% فقط من قيمة الراتب ، كما خصصت سويسرا 2600 فرنك سويسري لأصحاب الشركات الصغيرة ،وفي النمسا خصصت الحكومة مبلغ 9 مليارات يورو كدفعة أولى، و38 مليار يورو كدفعة ثانية لمواجهة تداعيات أزمة "كورونا" على الاقتصاد النمساوي، حيث كانت الدولة وفقا لقانون كان معمولا به منذ عام 1950، تعوض خسائر أصحاب الأعمال الحرة بنسة 100% ، في حالة الكوارث الطبيعية أو الحروب أو الأوبئة، ولكن قبل أسبوعين فقط ، واستجابة لسلبيات كورونا ،تم تغيير القانون ليصبح التعويض بنسبة 80% فقط وهذه هى السلبية في النمسا، وكذلك فإن بعض الدول الأوروبية والأكثر تضررا من "كورونا " قد واجهت ذلك بموضوعية وعقلانية ، فمثلا أيطاليا قررت من بداية الأزمة صرف 80% من أجر كل العمال من كل الحنسيات وبدون استثاء حتى تعود دورة الاقتصاد من جديد، وفي أسبانيا ثاني أكبر المتضررين من "كورونا" في أوروبا بعد إيطاليا قالت ماريا خيسوس مونتيرو - وزيرة المالية : "إن الدولة الإسبانية تتحمل أعباء 80 %من هامش مخاطر وخسائر الشركات العاملة في إسبانيا في حالة ما تعرضوا لأية خسائر " ، كما فتحت الدولة مراكز الشباب والأندية الرياضية لإيواء العالقين والمهاجرين حتى يتم ترفع القيود على السفر.
وفي بريطانيا وفرت الإيواء للعالقين كما قررت تعويض العمالة غير المنتظمة بنسبة 80% من الأجر ولكنها لم تبدأ التنفيذ على الواقع ، وفي فرنسا يبدو أن الأمر أكثر ارتباكا بالنسبة للعالقين أو من ليس لديه إقامة شرعية حيت تم تجميعهم في موقع مهرجان كان الفني والاكتفاء بتقديم الوجبات الغذائية.