عُمان لم ولن تترك أبناءها

مقالات رأي و تحليلات السبت ١١/أبريل/٢٠٢٠ ٢١:٤١ م
عُمان لم ولن تترك أبناءها

علي بن راشد المطاعني

بعودة آخر فوج من المواطنين الراغبين في العودة إلى أرض الوطن تكتمل الجهود الكبيرة التي بُذلت لإعادة المواطنين والطلبة من دول العالم في واحدةٍ من أضخم ملاحم العمل الوطني والاستجابة الرائعة من الحكومة بعودة أبناء الوطن سالمين مرتمين في حضنه الأبوي الدافئ، ومطمئنين على صحتهم ومتيقنين من عدم إصابتهم بالفيروس، وبذلك ينتهي قلق الأهل على أبنائهم وإذ هم أمامهم وتحت نظرهم وبصرهم .

الخطوة ما من شك أنها كانت مبعثا للفرح والارتياح من الجميع؛ فهي نتاج جهود مضنية بُذلت في صمت وروية، إذ أنّ الأبناء وهم في خارج البلاد في هذه الظروف الاستثنائية كانوا أبدا على ارتباط بوطنهم ومع الجهات المختصة التي تتفقد أحوالهم لحظة بلحظة حتى أذن الله بعودتهم جميعا سالمين غانمين ليجدوا العناية والاهتمام والرعاية الصحية المتكاملة في الحجر الصحي للتيقن من أنهم بخير وعافية، فالرسالة من بعد هذا الجهد واضحة ولا لبس فيها وتقول صراحة إنّ عُمان لا تترك أبناءها أبدا .

والحق نقول بأن الجهود التي بُذلت طوال الفترة الماضية في إعادة الأبناء من الخارج مُقدَّرة على كل الصُعد والمستويات الرسمية والشعبية، وتجلّت وزارة الخارجية وسفاراتها في السماء الملبّدة بالغيوم كنجم ساطع وسط دياجير ظلمة الفيروس، فقد قامت بتجميع المواطنين الراغبين في العودة طلابا كانوا أم سياحا أم مرضى وتوفير كل متطلباتهم واحتياجاتهم التي تمهّد لهم سبل العودة الآمنة تجنبا لأي مخاطر، وقامت بجدولة رحلات العودة بنحو دقيق من كل مطارات العالم وعبر كافة الوسائل المُمكنة والمُتاحة، حتى الدول التي أغلقت مطاراتها وشوارعها بذلت الخارجية والسفارات جهودا استثنائية مع السلطات في تلك الدول لأجل فتحها لسويعات لتمر الأفواج العُمانية للمطارات التي بدورها فعلت الشيء نفسه في واحدة من أكثر المهمات تعقيدا وصعوبة التي تواجه الخارجية .

وفي سبيل إكمال المهمة بالسرعة القصوى إذ ليس هناك متسع من وقت وسط هذا الغبار الفيروسي الكوني سيّرت رحلات جوية عبر الناقل الوطني إضافة لاستئجار خطوط من الدول الشقيقة والصديقة لإكمال المهمة في هذا السباق المحموم مع الزمن، كما تم ربط رحلات دولية مع رحلات داخلية لتجميع المواطنين في المطارات المتناثرة ومنها عبر رحلات مباشرة لمنطقة الخليج ومنها للسلطنة. لقد حظيت المهمة بمتابعة مستمرة وعلى مدار اللحظة من سفراء السلطنة وأطقم السفارات والقنصليات في كل بقاع العالم الذين لم يتذوقوا طعم النوم لأيام طويلة؛ فالمهمة لا تقبل أنصاف الحلول وكان الجميع بالفعل بحجم التحدي .

لقد كان عدد العائدين أكثر من 3.000 مواطن وطالب، وهو عدد لا يُستهان به، ومن هنا استمدت العملية حجمها الكبير، فضلا عن تعطل الخدمات بشتى أنواعها في كل دول العالم، لذلك ستبقى هذه الملحمة محفورةً في الذاكرة لسنين طويلة قادمة باعتبارها الأضخم على الإطلاق وستُضاف لسجل التجارب الصعبة في أضابير الخارجية للاستفادة منها في المستقبل في حالة حدوث أمر طارئ -- لا قدّر الله .

لقد ثمّن الكثير من المواطنين وأولياء الأمور عاليا هذا الجهد الخارق، رافعين عبارات الشكر والثناء والتقدير لكل من وقف خلفه، وجميعنا يعلم بأنّ التحرّك جاء تنفيذا لتعليمات اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا.

بالطبع هناك من المواطنين والطلبة في دول العالم فضّلوا البقاء هناك لأمور تتعلّق بدراستهم وآخرين لعلاجهم والبعض لتعاملاتهم الخاصة، هؤلاء على تواصل مستمر مع سفارات السلطنة في تلك الدول ونسأل الله أن يُحيطهم بحفظه .

‏وأخيرا لا يسعنا إلا أن نتقدم بالشكر أجزله لكل من قام وأسهم في هذا الجهد المحمود، في وزارة الخارجية وفي سفاراتنا بالخارج وفي شركات الطيران المختلفة، أولئك هم الجنود البواسل الذين بذلوا كل ما في جعبتهم من جهد لإنجاح هذه العملية الصعبة بكل المقاييس.