بقلم: علي بن راشد المطاعني
في الوقت الذي يدب فيه الهلع في قلوب الناس لمجرد سماع فيروس كورونا وما يُشاع حوله من تأثيرات واحتياطات وقائية يتطلب من الجميع اتباعها بدقة وصرامة، في هذا المنعطف المهم يحق لنا أن نتذكّر بالاحترام كله الكوادر الطبيّة والصحيّة العاملة في مستشفياتنا ليل نهار وهم يستقبلون بالحنو اللازم الحالات المُصابة تارة والمرضى بشكل عام في هذا الوقت وفي هذا الوضع الحرج والاستثنائي وإذ الخوف والهلع من انتشار الفيروس بات يشكّل هاجسًا بل كابوسًا يؤرّق مضاجع الناس وهم داخل أسوار بيوتهم بل حتى داخل غرف نومهم، فما بالك بالأطباء والممرضين الذين يستقبلون الحالات المرضيّة على اختلافها برحابة صدر وببشاشة أملتها عليهم رسالتهم المقدّسة كملائكة للرحمة على الأرض .
هو أمر يتطلب منا جميعًا أن نثمّن عاليًا عظيم تضحياتهم ووقفتهم التي لن ينساها لهم التاريخ أبدًا مع مواطنيهم وأن نعمد لتعزيزها بما نملك وفي أضعف الإيمان بكلمة حانية نطيّب بها خواطرهم ونشحذ بها هممهم الوثابة للبذل والعطاء بصمت وتجرد ونكران ذات .
بلا شك أن الجهود المبذولة في القطاع الصحي ومن العاملين فيه على الصعيدين الوقائي والطبي أثبتت ميدانيًا وعمليًا كفاءة ومقدرة بعد أن تفوّقت على نفسها، ليس بعدد المستشفيات والمراكز الصحية والأجهزة الطبية على اختلافها، وإنما بالكوادر الطبيّة العاملة المنتشرة في ميدان النزال حامي الوطيس ضد الجائحة، ويحققون تقدمًا وانتصارات واضحة عليها وصولاً بحول الله وتوفيقه إلى تنظيف البلاد طولاً وعرضًا من هذا الوبيل .
الأمانة الأخلاقية والإنسانية تقتضي منا والعالم جميعه أن يقف على أصابع قدميه منذ أن أطلت الكورونا بوجهها العبوس في ووهان الصينية وشرعت الدول في اتخاذ أقصى وأقسى الإجراءات للحد من انتشاره فإن الأمانة توجب علينا أن نصطف خلف كوادرنا الطبيّة إشادةً بهم ومنحهم المزيد من زخم المؤازرة والتشجيع ليتسنى لهم الاستمرار في الصمود؛ فالمعركة لم تنتهِ بعد، بل هناك نزالات مستمرة وقادمة مع اليقين بأن النصر تبدو واضحة معالمه هناك في مكان ما وفي يوم قريب وآتٍ بإذن الله، والشكر والثناء المُقدَّم لهم ينسحب أيضًا على كل أفراد أسرهم وعائلاتهم فهم ينتظرون بلهفة عودة الأب أو الابن أو الخال أو الأم أو الشقيق سالمًا غانمًا من ميادين هذه المعارك المحلية والكونية، تلك الأسر الصامدة تعلم أن 30% من العاملين في الدولة لا يعملون الآن في إطار الإجراءات الاحترازية المتخذة، وهذا التخفيض لا ينسحب على الطواقم الطبيّة بطبيعة الحال، إذ لا يشملهم قرار التخفيض؛ لأنهم وببساطة هم الذين نعوِّل عليهم في عودة الـ 70% لميادين العمل.
حقيقة لقد هزني مشهد لطبيبة تستقبل أبنائها على بعد أمتار منهم، تتصرّف معهم كأنها مصابة - لا قدر بالله، وذلك في إطار الحكمة الاحترازية الصحية الجديدة واجبة الاتباع، المشهد رغم قساوته إلا أنه يؤكد لنا حرص كوادرنا الطبيّة على تعليمنا عمليًا كيفية التصرّف في هكذا ملمات وأن نترك المشاعر خلف ظهورنا إذ لا مكان لها من الإعراب في هذا الوقت .
على ذلك فإن الالتفات لجنودنا البواسل في الحقل الصحي والوقائي المرابطين خلف خطوط الأمل في المستشفيات والمراكز الصحيحة هو أمر تُمليه الحمية الوطنية وقد جاء وقت تفعيلها، علينا جميعًا في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي أن نبث إليهم زخات من الحب النبيل، وأن نبعث إليهم على الهواء مباشرة عبق وأريج امتنانا، وأن نطوقهم هوائيًا لا عمليًا للأسباب المعروفة بمشاعرنا الجياشة حبًا ووجدًا وهيامًا؛ فهم من أجلنا يقفون على حواف آبار النار واللهب، لذلك لن نضن عليهم بما نملك وإذ يقدمون أعز ما يملكون تلك هي أرواحههم من أجل أن نحيا نحن بعيدًا عن الأذى والشرور .
بالطبع قد ينبري أحدهم ليقول هذا عملهم وتلك هي وظيفتهم ومصدر رزقهم إلى غير ذلك من سقط القول، وهنا نقول بأن هؤلاء الأوفياء وإذ هم صامدون وصامتون قد آثروا الصدام مع ذلك العدو المخيف وجهًا لوجه وهم يعلمون بأنهم معرّضون للخطر، وما أسهل الإدبار في هكذا مواقف، لكنه الإيمان بالرسالة أوجب عليهم الصمود من أجل أن نحيا، ذاك قمة الوفاء للوطن ولشعبه .
نأمل أن نطلق حملة إعلامية قوية نثمّن بل نخلّد فيها هذه الوقفة الشجاعة من كوادرنا الطبيّة، وأن نطوّق أعناقهم بباقات العرفان والامتنان، فقد أثبتوا لنا بأنهم على العهد والوعد.