علي بن راشد المطاعني
مثل هذه الأزمات تمر على الشعوب والأمم كغيرها من الأزمات، إلا أن الأهم من هذا وذاك هو كيف نتعلم من هذه الأزمات بإحداث تغييرات جذرية في العديد من التوجهات والأفكار التي تقود التغيير نحو الأفضل في مجتمعنا، ولعل أهم ما يمكن ملاحظته بأن أزمة تفشي فيروس كورونا أسهمت في الاتجاه إلى العمل عن بُعد باستخدام التقنيات الإلكترونية وزيادة وتيرته عمّا كان سابقا وأضحى العمل من المنزل هو الأساس والعمل من المكاتب هو الاستثناء، فهل يا ترى نحتاج إلى مثل هذه الفيروسات لكي تدفعنا إلى تبنّي مثل هذه التوجهات أم أن قابلية التغيير لدينا ضعيفة وليس هناك ثمة جدية عالية في التغيير وما يصاحبه من بطء في الإجراءات، الأمر الذي يثير الكثير من الدهشة والاستغراب للتعاطي غير المتزن مع الأمور بشكل ردود أفعال أكثر منها منهجيات فيجب أن نطور العمل لمواكبة ما يشهده العالم من متغيرات إذ أصبحت التكنولوجيا هي الملجأ الوحيد في هذه الأوقات.
إن توجيهات اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة من انتشار فيروس كورونا (كوفيد- 19) بتقليص عدد الموظفين إلى ما لا يزيد من 30 % في مقار العمل، في حين أن 70 % من الموظفين يتابعون العمل من المنازل إلى غير ذلك تشير بما لا يدع مجالا للشك بأن الأجهزة الحكومية قادرة على تسيير عملها بنسبة 30 % دون أن تتأثر الخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين، بل إن الكثير من الموظفين يدعون المواطنين والمراجعين بشكل عام إلى استخدام الخدمات الإلكترونية بخلاف السابق إذ كان يتطلب من المراجع أن يأتي بنفسه للمراجعة والمتابعة إلى غير ذلك من طلبات، مما يشير إلى أن هناك قابلية للتطوير الطبيعي للخدمات الإلكترونية بدون أي أزمات تدفعنا إلى هذا الاتجاه المستقبلي، وإنما بدوافع من أنفسنا لكي ننتقل بالخدمات إلى ما نتطلع إليه من آفاق للمستقبل.
إن استخدام التكنولوجيا كبديل لا يجب أن يكون مرتبطا بالأزمات لكي نغيّر في آليات عملنا وتوجهنا، وإنما يتطلب أن تكون قبل كل شيء قناعات لدينا وبرامج عملنا تبلور ما تتطلبه بلادنا في المرحلة الراهنة والقادمة.
في المقابل في هذه الأزمة هناك الكثير من الأعمال الحكومية معطلة أو شبه معطلة بسبب عدم استخدامنا للتكنولوجيا وعدم مواكبة المتغيرات التقنية في مجالات عدة في العالم وتسببت في الكثير من التأخير في العمل خاصة في المجالات أو الخدمات الأساسية مثل التعليم وغيرها من الجوانب الأساسية التي يتطلب أتمتتها بشكل سريع؛ فالتأخير في الانتقال إلى المجتمع الرقمي اتضح في مثل هذه الظروف التي كشفت عن الكثير من الخلل في منظومة العمل الإلكتروني وهي تحتاج إلى عادة نظر في الكثير من الأمور، وفرض تواريخ محددة على كل الجهات الحكومية والخاصة للعمل في الانتقال الإلكتروني الهادف إلى تقديم خدمات من أي مكان وتحت أي ظروف.
إن وزارة تقنية المعلومات والاتصالات (هيئة تقنية المعلومات) تعبت في السنوات الماضية في إقناع الجهات الحكومية والخاصة للتحول الرقمي وهناك مقاومات كبيرة في التحول اليوم نجني نتائجها السلبية على العديد من الأصعدة والمستويات في البلاد. حان الوقت لكي نتعلم من مثل هذه الأزمات ما يفيدنا ويجعلنا نأخذ الأمور بجدية أكثر ووضع برامج تحول واضحة.
بالطبع هناك جهود تُبذل في هذا الشأن وهناك جهات تعمل في التحول التقني، ولكن بشكل عام ما زالت الأمور دون المستوى المطلوب إذ كشفت الأزمة الكثير من جوانب الخلل التي تحتاج إلى إصلاحات جذرية تتجاوز مقاومة التغيير من جانب بعض الموظفين غير القادرين على التعاطي مع المتغيرات.
نأمل أن نستفيد من الأزمة بما يُسهم في تغيير الكثير من الممارسات ومن بينها مقاومة التغيير للتحول إلى مجتمع الرقمي والعمل على تطبيقه بحذافيره ووضع أطر عمل ومواقيت تطبيق لا تُتجاوز من جهات أو أشخاص لرغبات شخصية أو عدم مقدرة.