لا شك أن الأزمة التي تشهدها الاقتصاديات العربية منذ منتصف العام 2014 تكاد أن تعصف باقتصاديات كبرى أو على الأقل كانت مستقرة ولكنها بدأت تهتز مع بداية العام الجديد 2016، في ظل التراجع الحاد في أسعار النفط، والتأخر الشديد في البحث عن البدائل والتنوع الذي يقدم قيمة مضافة حقيقية للاقتصاد، مع وجود أنماط استهلاكية ترفيهية لدى المؤسسات الحكومية ولدى أفراد هذه المجتمعات، من الصعب التخلي عنها بسهولة، إذ أن الأمر يحتاج إلى مساحة كبيرة من الوقت للتخلص من هذا النمط الذي تفرضه الظروف الاقتصادية الراهنة، التي لابد أن يصاحبها إيجاد مشروعات اقتصادية غير تقليدية وخدمات مبتكرة وريادية قادرة على أن تسهم في تحسين التنمية الاقتصادية الشاملة وفتح مجالات لفرص عمل إنتاجية جديدة، تحتاج إلى تطوير نظم التدريب وخاصة في القطاعات التقنية، التي تنمي المهارات والقدرات الفردية للأفراد، مع عدم إغفال تكثيف التوعية بريادة الأعمال وتشجيع ثقافة العمل الحر وتسويق التقنية على مختلف المستويات أو للتنسيق والتعاون مع مختلف الجهات الحكومية والخاصة لتطوير ريادة الأعمال التقنية والمساهمة في إعداد جيل متميز من رواد ورائدات الأعمال يمتلكون قدرات وكفاءات مهنية متخصصة في مجالات اقتصاديات المعرفة، والعمل على التعاون من خلال تحالفات مع الجامعات والمنظمات الدولية ذات الخبرة في مجال ريادة الأعمال التقنية للتدريب ونقل الخبرات وتبادل الأفكار والمعرفة أيضًا مع الخبراء والممارسين المهنيين، والتعرف على قصص النجاح من مؤسسي الشركات الذين بدؤوا رحلتهم في مجال ريادة الأعمال بعد الحصول على تمويل رأسمالي استثماري لتحقيق النمو والتوسع، ولا شك أن ذلك يتطلب آليات جديدة وغير تقليدية للتمويل بهدف تشجيع الابتكار بين رواد الأعمال بما يمكن من تمويل مشاريعهم ومساعدتهم على التحكم في المخاطر وترشيد التكاليف وتحسين الإدارة، ومن ثم تقاسم نسبة المغامرة مع إيجاد آلية تخالص سهلة ومنهجية بعد عدة سنوات من نجاح المشاريع، خاصة أن الدول المتقدمة أدركت منذ أمد بعيد أهمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة إلى الحد الذي أصبحت هذه المشروعات تمثل اكثر من 90 % في غالبية اقتصادات دول العالم كما أنها توفر ما بين 40% إلى 80% من إجمالي الناتج المحلي، وقد وجدت أن التمويل الأكثر نجاعة هو رأس المال المبادر وهو ما يسمى رأس المال المخاطر أسلوبا لتمويل الشركات التي لا تقوم فقط على تقديم الأموال مثل التمويل المصرفي ، بل تقوم على أساس المشاركة في المخاطرة والأرباح، إذ يعد التمويل من أهم عناصر دعم وتنمية المشروعات الصغيرة، ويعد ركيزة مهمة لتمويل المشاريع ذات المخاطر العالية وفي ذات الوقت فهي مشاريع واعدة وتحقق أرباحا مرتفعة ، إذ أن هذا النمط من التمويل الذي اصطلح على تسميته برأس المال المبادر تجسيدا لمفهوم أن الربحية العالية مرتبطة بمستوى المخاطر العالية في الاستثمار، حيث إن شركات رأس المال المبادر تهدف إلى التغلب على عدم كفاية العرض من رؤوس الأموال بشروط ملائمة من المؤسسات المالية القائمة، وإلى توفير التمويل للاستثمارات في المشروعات الجديدة أو عالية المخاطر والتي تتوافر لديها إمكانية النمو وتحقيق العائد المرتفع، ولا سيما أن مؤسسات التمويل المحلية من بنوك وشركات استثمارية أو حتى الصناعية، تتخوف من تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتضع الكثير من العراقيل، و لا تريد أن تخاطر ما دامت لديها أدوات مثل الإقراض المضمون بروهانات ثابتة تحقق لها أرباحا سهلة ومضمونة، لذلك فإن رأس المال المبادر أصبح المصدر الأهم لتمويل الشركات الصغيرة غير القادرة على تدبير التمويل عن طريق البنوك أو حتى البورصة، من خلال طرح الأسهم والسندات بسبب المخاطرة العالية المرتبطة بأعمالها أو لأنها غير مدرجة بسوق المال، الأمر الذي يتطلب ضرورة البحث عن آليات جديدة للتمويل بعيدا عن أسواق المال، ومنها تكوين عدد مناسب من شركات التمويل المشتركة بين الحكومة والقطاع الخاص برأس المال المبادر الذي يعد من المفاتيح المهمة لتحقيق الأهداف الاقتصادية المنشودة ودعم الابتكارات الحديثة وتبنيها، ونقل التقنية العالمية وتوفير فرص العمل خاصة أن الشركات الناشئة تعتبر لبنة لبناء شركات عملاقة لأنها يمكن أن تكبر وتتوسع في المستقبل وتعتبر من الدعائم الأساسية للاقتصاد وتنويع مصادر الدخل.