حزم العدالة الدولية في البوسنة

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٧/أبريل/٢٠١٦ ١٥:٤٠ م
حزم العدالة الدولية في البوسنة

ديفيد شيفر

حكمت المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة على رادوفان كراديتش، الزعيم السياسي لصرب البوسنة خلال حرب التسعينات في البلقان، بالسجن لمدة 40 سنة بتهمة الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب. وهو الحكم الذي من شأنه أن يؤثر تأثيرا عميقا على القانون الدولي، ويردع أولئك الذين قد يرتكبون فظائع أخرى، ويفتح إمكانية المصالحة السياسية في البوسنة. لقد تم للتو تذكير قادة خارج القانون، مثل أولئك في سوريا والسودان وجنوب السودان وروسيا، وداعش، بإمكانية إخضاعهم للعدالة الدولية.
وليس مجرمو الحرب وحدهم من عليهم التفكير مليا في هذا الحكم. ولا تزال آراء كراديتش الحارقة - "لا يمكن للمسلمين أن يعيشوا مع الآخرين"، كما قال ذات مرة - يتردد صداها في زوايا مظلمة من أوروبا خائفة وهي تكافح من أجل إسكان مئات الآلاف من اللاجئين المسلمين، كما يتردد صدى الحملات الرئاسية لكل من دونالد ترامب وتيد كروز في الولايات المتحدة .
فقبل عشرين عاما، في سنة 1996، كنت مستشارا لمادلين أولبرايت، ثم سفير أميركا لدى الأمم المتحدة بعد ذلك. لقد بدلنا أقصى جهدنا في مجلس الأمن القومي الأميركي لاعتقال كراديتش؛ و كان قد تم توجيه الاتهام إليه من قبل المحكمة الجنائية الدولية سنة قبل ذلك، وكان اٍلى جانبه الجنرال راتكو ملاديتش من صرب البوسنة ، والذي لا تزال محاكمته في لاهاي جارية. لسنوات، كان من الصعب القبض على كل منهما، وقد حدث ذلك جزئيا بسبب العديد من المسؤولين في حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة الذين لم يكونوا على استعداد بعد لقبول المخاطر المرتبطة بإلقاء القبض عليهم.
كان ذلك الخجل خطأ. فقد سمح لكراديتش وملاديتش بالتأثير على السياسة في البوسنة وبالافتخار في تحد لحكم القانون لسنوات. وبعد القبض عليهم في صربيا قبل أقل من عشر سنوات، كشفت محاكمتهم أدلة أعمال وحشية لم تشهدها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
وكانت جرائم كراديتش السبب الرئيسي في خلق الرئيس بيل كلينتون لمنصب سفير الولايات المتحدة لقضايا جرائم الحرب، ولهذا وافق مجلس الشيوخ على تعينني لملء هذا المنصب خلال فترة كلينتون الثانية. وقد أغرق كراديتش بلاده في أعماق الجحيم، وبعد ذلك، بعد أن اتهم بالجرائم التي قام بها، كان قد هرب.
وكانت الولايات المتحدة بحاجة إلى مبعوث متفرغ للمساعدة في بناء ودعم المحاكم التي من شأنها أن تقدمه هو وغيره من مدبري الأعمال الوحشية إلى العدالة في نهاية المطاف. وبالفعل، دلت قناعته مرة أخرى على الدور الحاسم الذي لعبته الولايات المتحدة في السعي لتحقيق العدالة الدولية، بدءا من نورمبرغ وحتى يومنا هذا.
وقد انتظر ضحايا البوسنة المسلمين عقودا قبل إدانة المحكمة الدولية التطهير العرقي كإبادة جماعية التي عانوا منها خاصة في عام 1992، أسوأ عام من الصراع والإبادة الجماعية. ومن الجدير بالذكر أن المحكمة وجدت كراديتش مرتكبا لجرائم ضد الإنسانية خلال الحرب. وكانت هذه الأنواع من الجرائم وحشية مثل الإبادة الجماعية. وجدت المحكمة أيضا أن أعمال الإبادة الجماعية (قتل المسلمين و "إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بهم") ارتكبت عندما هاجم صرب البوسنة سبع بلديات ذات الأغلبية المسلمة في عام 1992.
وقد تعرضت سراييفو العاصمة لثلاث سنوات من تكتيكات القنص والقصف والمجاعة التي أودت بحياة الآلاف من مسلمي البوسنة. ومع ارتباك الغرب، واصل كراديتش الحصار وسعى لإبادة سكان المدينة. و أدانته المحكمة "بنشر الإرهاب،" جريمة حرب كبيرة، وقتل المدنيين في سراييفو، أساسا تم وصفه بالإرهابي، لكنه لا يختلف عن هؤلاء الذين يدمرون حياة المسلمين واليزيديين والمسيحيين في العراق وسوريا اليوم.
وحكم القضاة أنه لا يوجد ما يكفي من الأدلة ضد تدمير كراديتش لكل أو لجزء من الشعب المسلم في البلاد لتتم إدانته بالإبادة الجماعية لدوره في حصار سراييفو. لكنهم قاموا بإدانته بسبب الإبادة الجماعية وبمذبحة آلاف الرجال والصبية المسلمين في سربرنيتشا في عام 1995. أما بالنسبة للناجين من حرب البوسنة، فيدل هذا الحكم على أن الإجرام الذي بلغ ذروته في قيادته الإجرامية كان إبادة جماعية فعلا.
وأخيرا، فإن التكتيك الفظ الذي اعتمده كراديتش في مايو 1995 بالاستيلاء على قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة كرهائن من أجل تخويف حلف شمال الأطلسي أكسبه حكم إدانة آخر بتهمة ارتكاب جرائم حرب. وهذا سيتذكره الجميع بالنظر إلى أن هدف قوات حفظ السلام هو إدارة حالات الصراع في كل أنحاء العالم.
ويمكن أن يكون لدى هذا الحكم انعكاسات هامة على المستقبل السياسي في البوسنة. إن اتفاقيات دايتون للسلام الذي أنهت الحرب في عام 1995، لا تزال بإمكانها توحيد المجموعات العرقية في البوسنة، وكادت البلاد أن تنزلق إلى اضطراب أعمق، والتوجه نحو التفكك. ومن خلال زياراتي إلى البوسنة، قال لي ضحايا جرائم كراديتش إنهم في حاجة إلى رؤية وكشف الحقيقة أولا قبل أن يتمكنوا من التصالح مع جيرانهم الصرب.
حتى الآن، كانت خطى الوصول إلى الحقيقة بطيئة. ويستخدم ميلوراد دوديك الرئيس الحالي لجمهورية صربسكا، إنكار الإبادة الجماعية للحفاظ على سلطته واعتماد الانفصالية المليئة بالكراهية. لكن إدانة كراديتش بالإبادة الجماعية قوضت دعايته للانقسام. وانطلاقا من هذا الحكم، يمكن للتقارب بين المسلمين والصرب أن يتحقق في النهاية.
إن الدرس الذي ينبغي للسياسيين في أوروبا والولايات المتحدة وأماكن أخرى استنباطه من هذا الحكم هو أنهم يلعبون بالنار في السعي وراء مزايا انتخابية من خلال مهاجمة المسلمين. وكما أظهرت الأحداث في البوسنة في التسعينات، وتظهر الأحداث في سوريا والعراق اليوم بشكل مأساوي جدا، يمكن بسهولة أن يتحول اللهيب الذي يثيرونه إلى عبارة عن حرائق هائلة.
سيقوم كراديتش باستئناف الحكم. لكن في نهاية المطاف، سيكون الناجين من فظائعه قادرين على تجاوز العيش في الماضي والبدء في التطلع إلى المستقبل.

أستاذ القانون في جامعة نورث وسترن والسفير المتجول الأمريكي السابق لقضايا جرائم الحرب