محمد محمود عثمان
أثيرت مؤخرا بعض الاشكاليات التي تباينت بين الرفض والقبول بين فئات متعددة في سوق العمل بحثا عن الآليات التي تنظمها السوق بعد انتهاء العلاقة بين العامل وصاحب العمل وإشكالية عدم الممانعة ، وكل له رأيه الذي لا ينفصل بالقطع عن المنافع الخاصة ،حتى ولو تحققت بالمخالفة للقوانين أو المنطق أو المصالح العامة،
في ظل عدم توافق بعض قوانين العمل العربية مع المعايير الدولية المتعلقة بالحقوق والواجبات وحرية العامل في الانتقال من عمل إلى آخر، بعيدا عن القيود التي يفرضها نظام الكفيل الذي تنفرد به البلاد العربية دون غيرها من بلدان العالم ، إلى جانب تقاعس وزارات العمل بالدول العربية عن المواجهة الفاعلة الذي يصاحبه عدم تحرك منظمة العمل العربية قيد أنملة منذ إنشائها في مجال التصديق على اتفاقيات ومعاييرالعمل الدولية والعربية.
وأول الاشكاليات ما يتعلق بالمادة رقم «11» من قانون إقامة الأجانب ،التي تنص على )حظر منح تأشيرة دخول للعامل الأجنبي الذي سبق له العمل في السلطنة وذلك لمدة سنتين من آخر مغادرة له ) وإن كان الهدف منها في ذلك الوقت هو مهنة المحاسب الذي لديه البيانات المحاسبية وهناك مخاطر من استفادة الشركات المنافسة الأخرى من هذه المعلومات.
وقد طرأ على المادة «11» بعض من الاستثناء استوجبتها شروط التوقيع على بعض الاتفاقيات الدولية مع منظمة الجات ومع الولايات المتحدة الإمريكية ، التي ركزت على احترام حقوق الإنسان ،وأباحت انتقال العامل إلى صاحب عمل آخر بعد موافقة صاحب العمل ، ويرفض البعض ذلك أو يتضرر منه ، باعتبار - حسب قولهم – «بأن المادة جاءت لحماية سوق العمل في السلطنة من الممارسات الخاطئة لبعض العمالة الوافدة التي تمارسها على الشركات وما تشكّله من خطر عليها في عدم استقرار سوق العمل، وهدم ما تقوم به الشركات من أعمال تكون عرضة للتلاعب من عمال أجانب كانوا بالأمس في هذه الشركة وغدًا في تلك الشركة سواء بصفتهم شريكا أو موظفا أو غيرها من المسميات، وهو ملم بكل أسرار وأعمال وزبائن الشركة السابقة، وقد يقوم بتوظيف تلك المعلومات توظيفا سيئا يضر بشركته السابقة وقد تتكبد خسائر فادحة نتيجة لانكشاف ظهرها في السوق « وهذا الرأي له وجاهته ، إلا أنه يحقق مصلحة من جانب واحد لصاحب العمل فقط ،وتغافل عن حق العامل في العمل بعد انتهاء علاقته مع صاحب العمل وعليه متطلبات حياتية لأسرته أو المسؤولين منه ،إذ يحقق هذا الرأي ضررا ماحقا للعامل ، والقاعدة الفقهية تقول «لا ضرر ولا ضرار».
لأن مفهموم رسالة عدم الممانعة أنها تعطي صاحب العمل أو الكفيل - الحق في الموافقة أو عدم الموافقة على انتقال العامل الأجنبي إلى صاحب عمل آخر،حتى بعد انتهاء علاقة العمل وهذا يجافي العدل والمنطق ،حيث تعني عدم الموافقة ترحيل العامل إلى بلاده فور انتهاء عقد العمل الخاص به ،أو حرمان العامل من حرية الانتقال إلى عمل مناسب أخر ربما لتحسين أوضاعة المادية أو لراحته النفسية ،وعدم السماح له بالعمل إلا بعد مرور عامين على مغادرة البلاد أوبموافقة صاحب العمل القديم، برغم انتهاء العلاقة التعاقدية بينهما فإذا كان للكفيل أو صاحب العمل منفعة ما ، أو درءا لأية مخاطر أو خسائر أو أضرارمتوقعة وليست متحققة وتخضع لنظرية الاحتمالات ، في عدم إعطاء العامل عدم الممانعة خلال سريان عقد العمل أو بعد إنتهائه بأي من صور الإنهاء ، فلا ضرر في ذلك ، ولكن يكون ذلك في المهن التي بها اسرارا خطيرة ، وليس في كل المهن والوظائف مهما كانت صغيرة أو كبيرة ،إذ لابد من وضع الضوابط المنظمة لذلك ، وتحديد المهن والوظائف التي تتطلب موافقة الكفيل أو صاحب العمل على انتقال العامل ، من خلال بنود خاصة ، يتضمنها عقد العمل ، والتي تضمن لصاحب العمل شرط عدم المنافسة وعدم نقل أسرار العمل إلى جهات أخرى سواء الأسرار المحاسبية أم الفنية ، وتجنبه الخسائر إذا وجدت ، والتي يرتضيها الطرفان وتكون ملزمة قانونا للجميع ، بتعويض العامل عن فترة منعه من العمل وتعويض صاحب العمل عن الأضرار التي تلحق به إذا أخل العامل بالاتفاق وعمل لدي الغير.
لذلك من الضروري أن يكون واضحا في عقد العمل العقوبات والغرامات والتعويض العادل عن الخسائر للمتضررمن الطرفين على أنه من الممكن تدارك الكثير من هذه السلبيات بأن لا تقل فترة عقد العمل عن أربع أو خمس سنوات ، وبخلاف هذه الأمور فإن للعامل الحق والحرية في الانتقال إلى صاحب العمل الذي يريده، لأن أسواق العمل تتطور كما تتطور احتياجاتها وتشريعاتها المنظمة للعمل ، وإذا تخلفت التشريعات عن مواكبة المتطلبات تكثر العثرات وتتفاقم المشكلات ، والمتضرر الوحيد من ذلك هو القطاع الخاص، وقد تتفاقم المشاكل أيضا، عندما يقرر المستثمر الهروب لعدم منطقية ضوابط الأداء خاصة المتعلقة بتنظيم عمل الأيد العاملة ،وتحقيق احتياجات شركات القطاع الخاص التي تساعدها على الوفاء بالتزاماتها وتعاقداتها، وهذا يتطلب سرعة تحديث القوانين واللوائح استجابة لمتطلبات التغيير على المستويين المحلي والدولي وما يفرضه ذلك من تحديث الآليات حتى يمكن أن تتغلب على المشاكل الميدانية التي تعاني منها الشركات على أرض الواقع ومنها على سبيل المثال ما يتعلق بنسب وخطط توطين الوظائف وفرض الحماية لها ، التي يجب إعادة تقييمها ، وهل هي تمثل الاحتياجات الفعلية للمؤسسات أو الشركات ؟ أم تفرض عليها فرضا ؟ بدون دراسات توضح الاحتياجات الفعلية للشركات ، وتفرق بين نسب التوطين في الشركات الصغيرة والمتوسطة والشركات المصنفة كدرجة أولى أو ممتازة أو أدنى أو أعلى من ذلك ، وهل تضع في الحسبان أنشطة الشركات التي تتنوع بين صناعية وتجارية وخدمية أو غيرها من الأنشطة التي لا يمكن المساواة بينها ؟ حيث إن ما يصلح مع نشاط ، لا يمكن أن يطبق مع الآخر، ولا شك أن ذلك يتطلب دراسات علمية تستكشف الاحتياجات الكمية والنوعية لكل نشاط ، حتى لا يفرض على القطاع الخاص تخصصات ووظائف لايحتاج إليها ، بل وتمثل في النهاية أعباء إضافية على العمل والإنتاج ، وتجعل من سوق العمل بيئة طاردة للاستثمارات التي تولي أهمية خاصة للكفاءة المهنية والمهارات المتخصصة التي تحقق قيمة مضافة للإنتاج والإنتاجية.